أخبار عاجلة

كذبة “طنجة الكبرى” تعجل بقدوم حكومة العثماني لعاصمة البوغاز

 

طنجة: كادم بوطيب

بتعليمات ملكية سامية، من المنتظر أن يستأنف رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، مساء اليوم الجمعة 18 يناير الجاري، زياراته للجهات، بزيارة لجهة طنجة تطوان الحسيمة، سيلتقي من خلالها مع والي جهة طنجة- تطوان- الحسيمة، محمد اليعقوبي، ورئيس الجهة، إلياس العماري، وعمدة المدينة، البشير العبدلاوي.

الزيارة التي سيقوم بها العثماني لطنجة رفقة عدد من وزراء حكومته، سيلتقي خلالها كذلك بمنتخبي ومكونات المجتمع المدني.

وتراهن الحكومة على زيارات القرب على مستوى الجهات، للوقوف على المشاريع التنموية التي تعرفها الجهة، وكذا التشاور بشأن انتظارات الجهة والأوراش التي تعرف تعثرات أو تأخرات، وخاصة بعاصمة البوغاز التي وصلت فيها الأزمة الاقتصادية حد السكتة القلبية، لاسيما بعد إغلاق بعض المشاريع أو بيعها والرحيل نحو الضفة الأخرى، وهو الحل الذي اتخذه مجموعة من رجال الأعمال بطنجة الذين باعوا كل ممتلكاتهم ورحلوا نحو إسبانيا.

وإذا كان الإعلام العالمي يروج لإشاعة ازدهار المدينة، والمغاربةجميعا لا يعرفون طنجة إلا في الصيف الذي تعرف فيه رواجا سياحيا مهما، يظنون أن عاصمة البوغاز تعيش هكذا في جميع الفصول غلطة، رغم أن المدينة شهدت خلال بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة وتيرة متسارعة في إنجاز مجموعة من الأوراش الكبرى، والتي شملت مجموعة من الميادين الثقافية والاجتماعية والعمرانية والاقتصادية …، فإن الواقع ليس كذلك (مجرد كذبة)، وكل هذه المشاريع باءت بالفشل، ولم تنعكس ديناميتها التنموية على الساكنة وعلى مجموعة من القطاعات والمقاولات، سواء منها الكبيرة أو الصغيرة وحتى المتوسطة. وطنجة الأمس ليست طنجة اليوم، ماضيها أحسن من حاضرها، يقول أحد الطنجاويين العارفين بخبايا الأمور (زمان كلشي كان واكل وشارب غي من المرسى…اليوم كثروا غي السعيان والمجرمين).

لكن الملفت للانتباه أن جهة طنجة تطوان الحسيمة عموما، وعاصمتها مدينة طنجة على وجه الخصوص، لايزالان بعيدين عن هذه الدينامية، ولا تزال مختلف مظاهر التهميش والهشاشة تلقي بظلالها الكئيبة على كل مناحي الحياة بهما، الأمر الذي يستدعي معه ضرورة طرح أسئلة عريضةمن قبيل: لماذا استفادت مدينة طنجة من كل أموال وإمكانات الدولة في إنجاز أوراش تنموية حقيقة، بينما بقي سؤال التنمية بطنجة مؤجلا الى إشعار غير معروف؟ من المسؤول عن هذه الوضعية؟ وماهي الفرص الممكنة للنهوض بورش التنمية المحلية بالمدينة؟

لا بد في البداية من الإقرار بأن إنجاز التنمية المحلية مسؤولية تتقاسمها مجموعة من الأطراف وبدرجات مختلفة، حيث يسود تمثل لدى الرأي المحلي بأن المجلس الجماعي للمدينة هو المسؤول الوحيد عن التنمية المحلية حضورا أو غيابا، وهو أمر غير صحيح، دون أن ينفي ذلك المسؤولية الكبيرة للمجالس المنتخبة في إنجاز تنمية محلية مستدامة، منطلق سوف يقودنا الى استنتاج، وهو أن هذا التمثل حول دور المجالس المنتخبة ليس عفويا، بل هو جزء من رؤية ناظمة تسعى إلى استدامة حالة الركود التي تعرفها المدينة من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف، لعل محاولة استجلاء خلفياتها النظرية كفيل بالإجابة عن سؤال أسباب غياب التنمية المحلية بالمدينة.

إن الوضعية الحالية لمدينة طنجة تعد، في اعتقادنا، نتيجة حتمية لتظافر مجموعة من العوامل الظرفية والبنيوية نجمل بعضا منها فيما يلي:
قدم المدينة التاريخية : تعتبر مدينة طنجة من المدن القديمة في المغرب من الناحية التاريخية، الأمر الذي يفسر كثرة تراكم إرثها المادي (مدينة عتيقة، مآثر تاريخية..)، ما يعزز من حظوظها في أن تكون مركز إشعاع وطني وجهوي، فضلا عن عدم تمكينها من مراكمة قيم وتقاليد مدنية مواطنة ترقى بالمدينة إلى مربع المدن الحضرية العريقة التي تتمتع بكل الشروط التي تؤهلها لأداء أدوارها الريادية على الصعيد الوطني، هذا الوضع يزداد تدهورا مع استمرار ظاهرة الترييف
” la ruralisation ” بسبب افتقارها إلى بنيات قادرة على استيعاب وإدماج وفود الهجرة القروية والوافدين على المناطق الصناعية الحديثة العهد، مما جعلها مدينة
حضرية ودولية تتعايش فيها مختلف أنماط العيش القروي وتنتشر فيها مظاهر العشوائية، سواء على مستوى الأنشطة من خلال الباعة الجائلين واستفحال الاقتصاد غير المهيكل، أو على مستوى السكن من خلال الأحياء العشوائية التي تطوق المدينة. في المقابل تغيب عن المدينة المرافق النوعية التي من شأنها أن ترقى بالمجال العمراني، كي تضمن لها إشعاعا على مستوى المجال الذي تؤطره كعاصمة للإقليم.

غياب هوية للمدينة: استطاعت مجموعة من المدن المغربية أن تبلور هوية تميزها عن غيرها من المدن الأخرى، فاس لها هوية علمية، الرباط لها هوية إدارية، البيضاء لها هوية اقتصادية، مراكش نموذج سياحي، أما طنجة فلا هوية لها… ولربما(الدعارة والبارات) الهوية شرط محدِّد في صياغة نمط ونوعية المخططات والبرامج التنموية المحلية المنشودة، لم تتمكن الأطراف الفاعلة بالمدينة من إبراز هوية لها، وهو ما يجسده بشكل عفوي أو رمزي رقم x الحرف الفرنسي، وهو معبر في مجال الرياضيات بالعنصر المجهول، إنه تحالف بين العلم والواقع لمصادرة حق المدينة في هوية مستحقة، ربما يكون الأمر من باب الصدف، لكن يعكس واقع البحث عن هوية مفقودة للمدينة.

غياب سياسات عمومية ناجعة: ثمة اعتقاد سائد لدى المواطن الطنجي مفاده أن غياب التنمية المحلية بالمدينة، ليس نتيجة عفوية، بل هو فعل إرادي، تسعى من خلاله بعض من دوائر صناعة القرار السياسي إلى جعل عروس الشمال ضمن دائرة المناطق التي من خلالها يتم ترتيب الخريطة الانتخابية على الصعيد الوطني أو الجهوي أو الإقليمي، وبالتالي يتوجب الإبقاء على سياسات عمومية هشة بالمدينة، لا تتمتع بجاذبية ساكنة المدينة، مما يوسع من دائرة العزوف الانتخابي، أمر يمكن من الإبقاء على شريحة انتخابية قليلة، يسهل استمالتها إما بالمال أو المصالح أو التخويف أو القبيلة.

غياب سياسات عمومية مواطنة هو من أجل تأمين استمرار وديمومة ظاهرة العزوف السياسي والتوسيع من دائرة المبعدين من المشاركة السياسية، تيسيرا لعملية التصرف في نتائج الاستحقاقات لصالح هذه الجهة أو تلك، ضمن استراتيجية لضمان الخارطة الانتخابية المرغوبة إقليميا أوجهويا أو وطنيا .

أزمة النخب المحلية: جزء من أزمة المجالس الجماعية المتعاقبة على المدينة، هو غياب نوعية من النخب المحلية القادرة على مباشرة مهام المنتخب من موقع الفعالية والنجاعة والعطاء، والقدرة الاقتراحية والمتابعة والتواصل مع الساكنة، مع تسجيل استثناءات قليلة طبعا. هذا الفراغ قاد إلى هيمنة نمط من المنتخبين الذين يمثلون العمل السياسي عموما، والعمل الجماعي خصوصا، كموقع للريع وبناء شبكات من المصالح الخاصة وتبادل المنافع، بدل القناعة بأن ممارسة الشأن العام جزء من استحقاقات المواطنة، وأن النخب المحلية رافعة أساسية في التنمية المحلية، مما يستلزم ممارسة سياسية تستحضر قيم النبل والعطاء ونكران الذات وتغليب المصلحة العامة.

أحزاب سياسية مترهلة : يسترعي انتباه المتتبع للشأن السياسي بالمدينة أن أغلب الأحزاب السياسية بالمدينة، تخلت عن دورها في ممارسة التأطير والتكوين للمواطنين، إذ يلاحظ شبه انعدام لأنشطتها الداخلية والإشعاعية بالمدينة على مدار السنة، مما جعلها تتحول إلى مقاولات انتخابية تشتغل بمنح/ بيع التزكيات لمن يدفع أكثر، وهو ما يفسر أن منطق (اختيار أو ترشيح) وكلاء اللوائح يدبر بمنطق السوق، وهذا ما يفرز نخبا محلية فاقدة للمصداقية وللشرعية النضالية والأخلاقية والنزاهة الفكرية، أمر تسنده ملاحظة أن أغلب مقرات الأحزاب السياسية لا تفتح أبوابها إلا مع كل بداية كل استحقاق انتخابي وتغلقها بمجرد الإعلان عن النتائج، وهو مما يكرس رداءة الحياة الحزبية بالمدينة، إذ أصبح من المألوف والمعتاد تغيير عدد من المستشارين الجماعيين لانتماءاتهم الحزبية عند كل استحقاق، ما يكرس لدى المواطن /الناخب فكرة أن هؤلاء الناخبين إنما تحركهم مصالحهم الذاتية لا غير، وأنه لا اعتبار للهوية السياسية للمرشح، مما يكرس مزيدًا من تبخيس العملية السياسية عموما.

معارضة غير فاعلة: منح المشرع/ الدستور موقعا خاصا للمعارضة داخل المجالس الجماعية، من أجل المساهمة في دمقرطة مخرجات التدبير الجماعي، بيد أن هذه المعارضة لم تتمكن، لحد الساعة، من استثمار هذا الموقع لتقديم بدائل معقولة ومقترحات عملية تفيد الجماعة. وكمثال على ذلك لم تتمكن المعارضة بالمجلس الجماعي لطنجة من توظيف آلية وضع الأسئلة الكتابية المتاحة لها إلا في حدود ضعيفة جدًا، وهو ما يدفعنا للتساؤل: هل فعلا هناك معارضة مؤسساتية؟ وهل لهذه المعارضة رهانات سياسية معينة ؟ أم أنها جزء من الترتيبات لاستدامة الوضع المأساوي بالمدينة ؟

مجتمع مدني معطل : لعل أحد الديناميات المهمة في التنمية المحلية حضور المجتمع المدني كقوة ترافعية في اتجاه مزيد من الطلب على المشاركة والإنجاز والمساهمة من أجل تحقيق الجودة في الحياة . بالنسبة للمدينة، فإن المشكل يتجلى في أن الجزء الأكبر المحسوب على المجتمع المدني هو صاحب الصوت الأعلى، في وقت تجده يقتات من الدعم الذي يحصل عليه من هنا أو هناك دون التزام بدفتر للتحملات الذي يربط بين الاستفادة من الدعم وإنجاز أنشطة لها عائد تنموي، وجزء آخر يندرج ضمن دائرة عملية تحقيق التوازن والتشويش على الجمعيات الجادة، والجزء الأخطر الفتاك بالتنمية هو ذاك الذي له ارتباط بدوائر صناعة القرار المحلي؛ حيث يستثمر منطق الابتزاز والتخويف والترهيب والتشهير من خلال توظيف مواقع إعلامية محلية مشبوهة تشتغل تحت الطلب. بينما يبقى جزء قليل من المجتمع المدني الحقيقى والفاعل والذي اختار العمل في صمت الاشتغال على ملفات عوائدها كبيرة تستلزم وقتا أطول، يسجل أن صوته غير مسموع أو لا يراد سماعه، وتتم محاصرته.

انتظارية السلطتين الوطنية والإقليمية والمحلية: من المؤكد أن دور السلطتين المحلية والإقليمية حاسم في تفعيل واحتضان مختلف البرامج التي يتم برمجتها إما على مستوى البرامج الحكومية أو الجهوية، أو على المستوى المحلي. يسجل على المستوى التنموي بالمدينة انتظارية غير مبررة في معالجة مجموعة من القضايا التي تقع تحت دائرة اختصاص هاتين السلطتين، لعل نموذج التعامل مع ملف نهب الأراضي واحتلال الملك العمومي بالمدينة صورة واضحة في هذا المضمار، مما حول المدينة إلى سوق أسبوعي يومي بسبب انتشار الباعة الجائلين، وأيضا «البلوكاج» الممنهج للتنميةالذي عرفته المدينة مع السلطة، ورغم ظهور أسواق القرب بالمدينة، وهي من بين المشاريع الفاشلة، وتجسد مثالا صارخا في الفوضى المتبوعة بالزبونية والمحسوبية التي عرفتها عملية التوزيع. ولحد الساعة لازالت مدينة طنجة تعيش حالة من الانتظار في انتظار أن يرفع عنها الانتظار.

جشاعة لوبيات العقار : شكلت المجالس الجماعية المتعاقبة على تدبير مدينة طنجة أحد ساحات صراع لوبيات العقار، على اعتبار أن حيازة السلطة هي مدخل أساسي لحيازة الثروة، وهو صراع يؤطر العملية السياسية برمتها من خلال تحولها إلى تنافس شرس حول تلك السلطة والثروة، أمر انعكس بشكل كبير على المشهد العمراني للمدينة، حيث اختفت مجموعة من المناطق الخضراء، بعد أن تم اكتساحها بواسطة الإسمنت المسلح، مما عاق عملية إنشاء ملاعب للقرب أو مناطق خضراء جديدة في مجموعة من الأحياء، بسبب عدم توفر الأوعية العقارية التي يمكن أن تحتضن مثل هذه المشاريع نتيجة سلوكات غير مواطنة من لوبيات العقار تجاه البلاد والعباد .

غياب الحكامة: أحد أهم أعطاب العمل الجماعي بطنجة هو غياب الحكامة بما تمثله من حسن تدبير المرفق بطريقة فعالة وناجعة، لا تستغرق في التدبير اليومي وتنزع نحو التدبير بالنتائج، هذا الوضع سعى المشرع إلى تجاوزه من خلال إلزام المجالس الجماعية، بوضع برامج عمل والذي يعد بمثابة لوحة قيادة ورؤية استشرافية لبرامج تنموية مندمجة، حيث أن برنامج العمل يمكن المجلس من خطة مفصلة عن طبيعة برنامج عمل يتملك المجلس من خلالها رؤية واضحة لطبيعة أولويات المرحلة والمشاريع المستقبليةالمناسبة لها، وذلك لأجل القطع مع ثقافة تدبيرية تغيب الرهانات التنموية الكبرى وترهن حصيلة المجلس لثقافة تدبيرية بسيطة بسبب غياب رؤية مستقبلية لأفق التنمية بالمدينة.
هذه بعض مستويات المسؤولية في تفسير أسباب غياب التنمية المحلية عن المدينة، وأي محاولة لتجاوز هذه المعيقات تقتضي بالضرورة استحضار حلول من جنس المسببات، والتي يمكن أن تشكل منطلقا لبناء رؤية تنموية مستدامة تحقق جبر الضرر الذي لحق مدينة طنجة من جراء تعاقب سياسات عمومية فاسدة ومعطوبة عليها.

وعلى عكس ما يروجون للمدينة من إشاعات النمو والازدهار ورفاهية السكان، تبقى مدينة طنجة من أفقر مدن المغرب، وساكنتها تعاني في صمت مريب بسبب الغلاء المعيشي وفواتير أمانديس وووو…. هذه قراءة متواضعة للمشهد التنموي المتأزم بعاصمة البوغاز طنجة، كتبت بنفسية قلقة وغيورة على الوضع العام بالمدينة، لكنه قلق سوي وليس مرضي، حيث الوعي بأن الأزمة تستوجب علينا الترصد لها كل من موقعه، بعيدًا عن المزايدات السياسية، أو محاولة النيل من هذا الفاعل أو ذاك، أفكار تقدم من أجل تشكيل وعي جمعوي يترافع عن المدينة من أجل غدٍ أفضل، حتى نتجاوز مقولة هل مدينة طنجة نسكنها أم هي التي تسكننا في إشارة إلى التعايش مع مختلف مظاهر الهشاشة والفقر والتشرد والتسول والجرائم التي تنخر كل أوصال ومفاصل المدينة.

شاهد أيضاً

محمد خليفة يكتب: فرنسا.. والتحولات السياسية

محمد خليفة (*) دخلت فرنسا في مسار تغيير عميق بعد الانتخابات الأخيرة البرلمانية، التي جرت …