انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صورة لبقال بسيط يقف في دكانه خلف سياج يقيه من بطش اللصوص، ويبدو البقال داخل دكانه المسيج مثل معتقل في زنزانة انفرادية. ويزيد التعليق الذي يرافق الصورة قسطا آخر من الدراما على المشهد حيث يقول: “محمد البقال في سجن غير محروس، والحكومة تطلب منه الفواتير”
ويضيف التعليق : إذا كانت الحكومة تطالب بالفواتير، فالشعب أيضا يطالب بفواتير أخرى:
“أين هي فواتير الفوسفاط والمعادن؟ والصيد البحري؟ ومقالع الرمال؟
أين هي فواتير المخطط الاستعجالي للتعليم و…؟”
كثيرون مثل البقال محمد يوجدون داخل السجن الاختياري (حسب تعبير المنشور). ونذكر منهم زهرة بائعة المسمن والحسين “السفناج” وإبراهيم صاحب المطعم الشعبي والحسين صاحب عربة الإفطار.
وبتزامن مع قضية فواتير محمد البقال، ظهرت قصة الضرائب على السيارات التي دخلت عهدا جديدا يقول القانون الذي دشن فيه: “عدم الأداء ينقل ملكية السيارة مباشرة إلى الحجز التحفظي!”
إجراء عبقري!
وفي وسائل إعلامية حكومية وموالية، يأتي مسؤول ليفسر هذه العبقرية بنبرة تلمس فيها لديه إحساسا بانتصار عظيم حققه: “سنقف لهم بالمرصاد أثناء البيع حتى وإن أدوا، لن يسلموا….”
والحقيقة تقال، أنه إجراء عبقري فعلا وقد يقضي على عدة مصائب نعاني منها مثل العجز في الميزانية.
ولنا أن نتصور لو أن هذا القرار طبق على الرؤوس الكبيرة، أصحاب الملايير.
تصوروا لو أن ممتلكاتهم تنتقل إلى الحجز التحفظي مباشرة، يعني خلال دقيقة بعد عدم الأداء.
ففي بلادنا، وبلاد كثيرة أخرى، العبقرية تكمن في استخلاص المكوس من الضعفاء وترك استخلاصها من الأقوياء.
تصوروا كم ستجني الخزينة بشكل أوتوماتيكي، وتخيلوا حجم العقارات والممتلكات والملايير التي ستنتقل إلى ملكية الدولة للتصرف فيها،
واحلموا
وكفوا عن الحلم واستيقظوا
ففي بلادنا، وبلاد كثيرة أخرى، العبقرية تكمن في استخلاص المكوس من الضعفاء وترك استخلاصها من الأقوياء.
وكذلك الشأن بالنسبة لباقي أركان الفساد:
الرشوة يدان بها الموظف البسيط.
وتجارة التبغ محرمة على بائع السجائر بالتقسيط.
المجرمون الذين يخربون الاقتصاد هم إبراهيم صاحب المطعم وزهرة بائعة الرغيف و…..
وأصحاب السيارات العادية مثلي ومثلك.
أما أولئك فليعيثوا في الأرض فسادا كما شاءوا وسوف ينعتون بالمستثمرين والفاعلين الاقتصاديين ومنقذي البلاد من الإفلاس ….
فلينعتوا كما شاءوا، لكن الشعب يعتبر الإفلاس هو ما آلت إليه هذه العبقرية في القدرة والاستقواء على “الحيط القصير”، الذي يمثله محمد البقال وزهرة بائعة المسمن والحسين “السفناج” وإبراهيم صاحب المطعم الشعبي والحسين صاحب عربة الإفطار.