تكافؤ الفرص يعني التساوي بين جميع المواطنين في المجالات المختلفة، ومن هذه المجالات مجال التعليم والخدمات المختلفة ومجالات العمل و الحصول على صفقات وتحمل المسؤوليات. تطبيقه مهم جدا في التنمية و الزيادة في الناتج الوطني، والتفريط فيه يهدد السلم الاجتماعي.
السيد العيساوي له مكتب دراسات اقتصادية، وقبل سنوات شارك في طلب عروض لأحد الوزارات حول دراسة للقطاع الذي تشرف عليه تلك الوزارة، واستعان بمجموعة من الخبراء ينتمون إلى ذلك القطاع حتى يكون عرضه أقوى من منافسيه. لكن النتيجة خيبت أمله، ولما سئل عن سبب إقصائه قال: “ليس هناك تطبيق لمبدأ تكافؤ الفرص، عرضنا متكامل، و المستشارون الذين استعنا بهم من ضمن أفضل المهنيين في القطاع خبرة وسمعة، و الأدهى أن الفائز الذي تم إعلانه هو شركة أجنبية تنتمي لبلد هو منافس مباشر لبلدنا في هذا القطاع.”
قصة العرض الذي أقصي منه السيد العيساوي لم تنته عند هذا الحد. الشركة الأجنبية “الفائزة” تلقت مبلغا مقدما لتبدأ بإنجاز الشطر الأول من الدراسة، و لم تكن تتوفر على الكفاءات اللازمة، فسوفت، وماطلت، و تذرعت بعدم وجود المعطيات، و قدمت لها المصالح الوزارية، بسخاء مريب، المعطيات التي طلبتها بل أكثر من ذلك، أوعزت إلى بعض الكوادر الوزارية لمساعدتها ! و رغم ذلك لم تنجز المهمة في الوقت ! و هذا مثال يبين جانبا من أضرار عدم تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص.
،، إن وجود تكافؤ الفرص بين أبناء المجتمع الواحد يساعد على تنمية المجتمع و تقوية العلاقات بين أفراده ، و يقلل من النزاعات و الخلافات التي تنتج عن الشعور بفقدان الحقوق و التهميش و “الحقرة” للأفراد. ،،
إن مصطلح تكافؤ الفرص مصطلح كبير يشمل العديد من المجالات المختلفة، فهو أشمل وأوسع و أكبر ، فهو يشمل النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية بكافة فروعها، وهو نابع من إرادة الشعب الذي يسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية.
إذا كانت العديد من المنظمات العالمية ومنظمات حقوق الإنسان قد سعت إلى أن تسجل تكافؤ الفرص كأحد الحقوق الأساسية من حقوق الإنسان، فلأن وجود تكافؤ الفرص بين أبناء المجتمع الواحد يساعد على تنمية المجتمع و تقوية العلاقات بين أفراده ، و يقلل من النزاعات و الخلافات التي تنتج عن الشعور بفقدان الحقوق و التهميش “والحقرة” للأفراد و غياب العدالة و المساواة فيما بينهم.
عندما يتم تقييم الأمور وفقا للمعايير، أيا كانت هذه المعايير، فإن القيمة التي يعبر عنها هذا المعيار تتطور و تظهر المنافسة حولها.
و بالمقابل، لما يتم تقييم الأمور وفقا لهوى الأشخاص، أو القرابة العائلية، أو المحسوبية، أو الولاء لمسؤولين، فإن القيمة تنهار وتختفي المنافسة وتسوء الأمور، سواء كان ذلك في القطاعات الاقتصادية أو وحدات الإنتاج أو الشؤون الإدارية أو داخل المنظمات والهيآت المختلفة.
إن التقييم على أساس المعايير هو التطبيق العملي لتكافؤ الفرص، فإذا كنا نتحدث عن تمثيلية الناس في مختلف الهيآت، فإن المعيار هو الأهلية والكفاءة، ومبدأ تكافؤ الفرص يقتضي أن يتنافس الناس حسب أهليتهم وكفاءتهم. وإذا كنا نتحدث عن حق المواطنين في الخدمات، فإن المعيار هو استكمال الشروط التي تخول الحصول على هذا الحق ومراعاة الأسبقية دون تقديم المتأخرين وإقصاء أحد. وإن كنا نتحدث عن ولوج الأسواق أو الصفقات العمومية أو طلبات العروض، فإن المعايير هي الأهلية التقنية التي تحدد عادة على شكل دفتر التحملات.
عندما يستفيد من هو الأحق و الأجدر وفقا للمعايير المحايدة المعتمدة، فإن النتيجة هو أن هذا المستفيد بجدارته و أحقيته يعطي أفضل ما لديه. و لما يتم انتهاك مبدأ تكافؤ الفرص و يستفيد من هو غير جدير فلننتظر توالي المصائب و الكوارث.
لنأخذ مثالا في قطاع الصحة, لنفرض أننا لم نطبق مبدأ تكافؤ الفرص على طول المسارات المتعلقة بهذا القطاع: يلج كلية الطب من ليس جديرا ويتخرج طبيبا. ويدخل مدرسة التمريض من ليس جديرا ويتخرج ممرضا. ويتم توظيف أطباء ناقصي كفاءة وتحفيز في المصحات، ويساعدهم ممرضون ناقصو كفاءة وتحفيز. وتنشأ عيادات خاصة بعيدا عن المعايير الصحية وتمنح تراخيصها وفق اعتبارات زبونية ويتم العلاج فيها وفق هوى المستثمر ورغبته في الربح السريع، ويتم تجهيز المستشفيات العمومية عن طريق صفقات تمنح للمقاولات وفق هوى المحسوبية و….. والنتيجة: خدمات صحية ضعيفة، إهمال في القطاع العمومي، ابتزاز لصحة المواطنين في القطاع الخاص، اغتناء وثراء غير معقول لأصحاب المصحات الخاصة و قس على ذلك.
إن تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص في التشغيل سواء في القطاع العام أو الخاص هو عمليا محاربة للمحسوبية. إن التوظيف على أساس القدرات و الكفاءات من شأنه أن يحسن أداء المشتغلين وينعكس ذلك على جودة المنتجات والخدمات بالنسبة لمجتمعنا وتحسينا في الناتج الوطني. وهذا ينطبق على كل الرتب الوظيفية وكل الاختصاصات، من العامل المتدرب إلى المدير العام.
،عندما يستفيد من هو الأحق و الأجدر وفقا للمعايير المحايدة المعتمدة، فإن النتيجة هو أن هذا المستفيد بجدارته و أحقيته يعطي أفضل ما لديه. و لما يتم انتهاك مبدأ تكافؤ الفرص و يستفيد من هو غير جدير فلننتظر توالي المصائب و الكوارث.،،
السيد محمد الحدادي واحد من الأطر الوطنيين الأكفاء في مجاله. علم بفتح باب الترشح لتولي منصب مدير عام إحدى المديريات الهامة وقرر أن يرشح نفسه. و بعد وضع ملفات الترشيح والفرز الأول، نودي عليه لتقديم مشروعه أمام اللجنة الوزارية التي تشكلت لهذا الغرض. وصادف أنه في ذلك الصباح التقى المرشحين المنافسين الذين يعرفهم جيدا. و جاء دوره فقدم عرضه أمام اللجنة، و رد على كل التساؤلات ثم غادر الوزارة عائدا إلى بيته منتظرا ظهور النتيجة.
لم تتأخر هذه النتيجة إلا أسبوعا واحدا و كانت المفاجأة، لم يفز بالمنصب السيد الحدادي و لا أي واحد من منافسيه المحتملين، بل أعلن عن إسناد المنصب لشخص آخر مغمور، تكوينه الأكاديمي بعيد عن القطاع الذي عهد إليه.
ومرت عدة أشهر والمدير الجديد المعين لا يقوى على استقبال من يأتي إليه ويتهرب بشتى الطرق، لا لشيء سوى لأنه لا يفقه في المجال الذي أصبح مديرا عليه و يخشى أن ينفضح أمره، و بالمقابل لا يتردد في إمضاء الوثائق التي تقدم له و التي تترتب عليها منح رخص وامتيازات وتعيينات وترقيات ، فيما يعتبر استمرارا لانتهاك مبدأ تكافؤ الفرص.
و قبل الوصول إلى مرحلة التشغيل و التعيين في المناصب العليا، نفس الأمر ينطبق على التعليم. عندما تتوفر فرص تعليم متكافئة فإن ذلك يدفع الطالب للتميز والإبداع في دراسته لأن سيضمن وجود مقاعد دراسية جامعية له يحصل عليها بمجهوده كما بالنسبة لغيره من الطلاب ، لأنه سيشعر أن أحداً لن يأخذ مقعده الدراسي و بالتالي حقه في التعليم العادل بناءً على المحسوبية وبناءً على التمييز بين الأفراد.
وما قيل عن التشغيل و التعليم، يقال عن التكافؤ في الحصول على الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين و المنظمات و الهيآت على اختلاف أنواعها.
إن ضمان تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص من القضايا ذات الأولوية المرتبطة مباشرة بالسلم الاجتماعي و الاستقرار. و يكفي أن ننصت للشارع لما يتحدث عن ضياع هذا المبدأ بالمصطلحات الشعبية من قبيل “باك صاحبي” و “الحقرة” و غيرها، لندرك كم هذه القضية مهمة بالنسبة للوجدان الجماعي للمواطنين.