تروي سير الأولين أن شخصا تم إدخاله على أحد الخلفاء ليقدم أمامه “إنجازه” على غرار الأدباء والعلماء والفلاسفة. وكان إنجاز هذا الشخص هو عبارة عن صومعة بناها من قطع قصب صغيرة. فأمر له بمائة دينار…
لكن أمر أيضا بجلده مائة جلدة
مائة دينار لأنه قام بمجهود كبير لإنجاز ما أنجزه، ومائة جلدة لأن هذا الإنجاز، بحسب رأي الخليفة، يضر المسلمين ولا ينفعهم.
وفي أيامنا هذه أصبحنا نشاهد الكثير مم يضر الناس ولا ينفعهم، ولكن الفرق هو أن أصحاب هذه المضرة يحصلون بدل المائة دينار على مئات الآلاف، وبدل أن يجلدوا يتم إشهارهم والترويج لهم ولبضاعتهم الفاسدة.
في الغرب هناك مقاومة من المجتمع ضد التسفيه. وفي دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، كندا وبريطانيا، تجد في الأماكن العامة لوحات تحذيرية مكتوب عليها: “كفوا عن جعل الأغبياء مشهورين”.
يشارك في هذه الجريمة وسائل الإعلام والتواصل التي تنشر وتروج، وكذلك نحن الأفراد لما نعيد إرسال هذه المحتويات التافهة، ولو من باب المزاح والنكتة.
لو قمنا بجولة في حسابات هؤلاء المشاهير الجدد، في مواقع التواصل لوجدنا أن المحتوى الرئيسي يدور حول التمييع والاستهبال: قفزة غريبة، رقصة شاذة، صراخ مزعج، كلمات لا معنى لها، نطق خاطئ…، وكأن الرسالة التي وراء كل هذا تقول: “المهم حاول أن تثير الانتباه بأي شيء ثم انشر تفاهتك وسيتقاسمها الناس وتنتشر انتشار العدوى.
وهكذا ستصبح مشهورا. ستنال الإعجاب، ويتابعك الآلاف ثم عشرات الآلاف، ويصل متابعوك في ظرف وجيز إلى الملايين.
وهنا، في عالم التفاهة، سيصبح لك “رأسمال تافه” و”أرصدة تفاهة”، لكن تساوي المال.
سيأتي عندك الإعلام التافه رغبة في ركوب موجتك على محركات البحث والحصول على أكبر عدد من الزيارات والمشاهدات بفضل متابعيك الكثر.
وسيتصل بك محترفو التسويق بواسطة التفاهة ليرتبطوا هم أيضا عبر إسمك وتفاهتك بجمهورك ويقدموا له عروضهم.
ومن كل ذلك ستكسب المال بعد أن كسبت الشهرة”.
الدفع بالغباوة والتفاهة إلى الواجهة من باب الاهتمام والنشر الإعلامي هو جريمة بحق الأجيال الناشئة لأن التفاهة تضر الثقافة والقيم.
ويشارك في هذه الجريمة وسائل الإعلام والتواصل التي تنشر وتروج، وكذلك نحن الأفراد لما نعيد إرسال هذه المحتويات التافهة، ولو من باب المزاح والنكتة.
وهكذا بعد أن كنا نشكو من نجوم الميوعة الذين ابتذلوا الفن وميعوا الثقافة، دخل نجوم التفاهة على الخط مستفيدين من الأدوات الخطيرة التي تتجلى في منصات التواصل الاجتماعي، لينافسوا بشدة على الابتذال والميوعة.
ولهذا نقول على غرار ما قيل في الغرب: “لنكف عن جعل التافهين نجوما”.