تعددت التحليلات والتوصيات والنتيجة واحدة: النظام الجبائي المغربي غير عادل ولا يشجع على العمل والإنتاج. وتنطلق بالمغرب المناظرة الوطنية للجبايات يوم الثالث من ماي في ظل ملاحظة المستوى المرتفع للاقتطاعات الإجبارية، المتمثلة في الاقتطاعات الضريبة والمساهمات ذات الطبيعة الاجتماعية.
وأصدر المركز المغربي للظرفية تقريرا حول النظام الجبائي المغربي. وجاء فيه أن مستوى الاقتطاعات الإجبارية بلغ 29 في المائة في العام ماقبل الماضي. ولاحظت العديد من المؤسسات الوطنية ارتفاع مستوى الاقتطاعات، التي تثقل كاهل الأسر، خاصة في ظل تحملها تكاليف خدمات كان من المفترض أن توفرها الدولة مثل التمدرس والتطبيب.
وتنادي العديد من التقارير التي واكبت المناظرة الوطنية للجباية، التي ستشهدها الصخيرات يومي الثالث والرابع من ماي، على ضرورة تحسين دخل الأسر من خلال إعادة النظر في الضريبة على الدخل التي كانت آخر مراجعة لها في 2010، حيث تم تقليص المعدل الأكبر من 40 إلى 38 في المائة ورفعت الحد الأدنى للأجور السنوية المعفاة إلى 30 ألف درهم.
ويقول محمد برادة وزير المالية السابق، الذي أسندت له رئاسة اللجنة العلمية المشرفة على المناظرة الوطنية حول الجبائية، أن “60 في المائة من الضريبة على الدخل تأتي عبر الاقتطاع من المنبع من أجور الأجراء والموظفين، والباقي يهم المهن الحرة؛ أي الأطباء والمحامين والمصحات الخاصة”. ويلاحظ برادة أن “في المهن الحرة هناك من يؤدي ضريبة أقل من أولئك الذين يعملون. هناك عدم إنصاف على هذا المستوى”.
“ثلاثة أرباع عائدات الضريبة على الدخل تأتي من الأجور، وإذا استحضرنا أن الضغط على مستوى هذه الضريبة يقع على الطبقة المتوسطة، خاصة الدخول التي تتراوح بين 4000 و12000 درهم شهري، فإنه يفترض إعادة النظر في سلم الاقتطاع”
ويعتقد برادة أنه “يجب إعادة النظر في تحديد فئات الدخول، حيث يمكن رفع الفئة المعفاة التي تحدد اليوم في 30 ألف درهم، ورفع الفئات العليا كي يؤدي أصحابها مكان الآخرين. هذا لا يمكن حدوثه إلا إذا تم توسيع قاعدة الملزمين، لأن هناك العديدين الذين لا يؤدون”.
أما الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي فيشير “إذا كنا نلاحظ اليوم أن ثلاثة أرباع عائدات الضريبة على الدخل تأتي من الأجور، وإذا استحضرنا أن الضغط على مستوى هذه الضريبة يقع على الطبقة المتوسطة، خاصة الدخول التي تتراوح بين 4000 و12000 درهم شهري، فإنه يفترض إعادة النظر في سلم الاقتطاع عبر الأخذ بتصاعدية حقيقية. إذا كان الدخل في حدود 30 ألف درهم معفى، فإن المعدل بعد ذلك، يفترض أن يرتفع ببطء على مستوى الدخول المتوسطة، قبل أن ترتفع المعدلات عندما نصبح بإزاء الدخول العليا”.
ويضيف نجيب أقصبي أنه يمكن للنظام الجبائي أن يساهم في تحسين القدرة الشرائية للأسر بطريقتين: إما عبر الضرائب المباشرة أو عبر الضرائب غير المباشرة، حيث يتصور أنه يجب خلق نوع من العدالة داخل الضريبة على الدخل، بالموازاة مع التخفيف من الطابع التعسفي للضريبة على القيمة المضافة.
أما هيئة الخبراء المحاسبين بالمغرب، إلى أن الضريبة التي تصيب العمل، والتي تمثل أهم مساهمة عبر الضريبة على الدخل، مضافا إليها المساهمة الاجتماعية، تعتبر ثقيلة وغير منصفة، حيث تسبب في الحد من خلق فرص العمل، و تشجع على انتشار الأنشطة غير المهيكلة.
ومن جانبه، يوصي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في تقرير له بمناسبة المناظرة الوطنية للضريبة، بإعادة النظر في فئات الضريبة على الدخل، مع ربطها كل ثلاثة أعوام بمستوى التضخم، كما يشدد على دعم القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، من خلال تشريع ضريبة لدخل الأُسَر وليس الأفراد تأخذ بعين الاعتبار وجود أشخاص غير منتجين تعولهم الأسرة، ويقترح المجلس أيضا تقديم تعويضات عائلية أكثر ملاءمة للواقع الاجتماعي والاقتصادي للأسر، بما في ذلك تلك التعويضات المتعلقة بتمدرس الأطفال.
ومن جهة أخرى تقترح هيئة الخبراء المحاسبين إدخال تعديلات على مستوى الضريبة على الدخل، من خلال زيادة رفع الفئة المعفاة من 30 إلى 36 ألف درهم، ورفع سقف التحملات المهنية إلى 60 ألف درهم في العام، وخصم مصاريف تمدرس الأبناء من حساب الدخل وإعادة النظر في الفئات المتوسطة.
وتعتبر الضريبة على القيمة المضافة أهم ضريبة تصيب الاستهلاك، غير أن العديد من التوصيات المطروحة قبل المناظرة الوطنية حول الجباية، تؤكد على أنه يجب أن تتسم بالشمولية والحياد بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين.
وفي هذا الإطار تقترح هيئة الخبراء المحاسبين في توصياتها للمناظرة الوطنية حول الجباية، بضرورة إعادة تحديد مجال تطبيق الضريبة على القيمة المضافة كي تشمل جميع الأنشطة الاقتصادية، بما فيها المنتجات الفلاحية.
والمقصود بإعادة تحديد مجال تطبيق الضريبة إدخال الأنشطة الجديدة المرتبطة بالاقتصاد الرقمي، والتي لها طبيعة بحيث تتداخل فيها العديد من البلدان الأجنبية، وذلك من خلال استنباط الممارسات الدولية في هذا المجال.
وشددت الهيأة على ضرورة عقلنة الإعفاءات مع إعادة تقييمها بشكل دوري، مع العمل على إخضاع السلع واسعة الاستهلاك لسعر مقلص في حدود 5% من أجل عدم المساس بالقدرة الشرائية للأسر.