عبدالفتاح المنطري (*)
رغم ما بذل من مجهودات جبارة في السنوات الأخيرة لتقريب الإدارة من المواطنين على الصعيدين الحضوري والإلكتروني، إلا أن الأمر يحتاج من المنتخبين والسلطات المحلية والوطنية إلى المزيد من التبسيط في الإجراءات الإدارية من أجل كسب الوقت والسرعة في الإنجاز وتخفيف الضغط البشري عن الإدارات نفسها و تذويب الضغط النفسي عن المرتفقين الذين يعانون الأمرين تحت شمس حارقة خصوصا عند بداية الموسمين الدراسي والجامعي
الإدارة من وحي تجربة شخصية
فمن واقع تجربة شخصية خضتها في هذا الشهر تزامنا مع دخول الموسم الدراسي،لاحظت كما لاحظ كثير من المرتفقين
توافد عدد كبير من الطلبة والتجار والموظفين وأرباب الأسر على مقرات المقاطعات ودوائر الأمن من أجل إيداع وثائق الحصول على الشواهد الإدارية الضرورية في مستهل كل سنة دراسية أو جامعية أو من أجل استئناف دورة تدريبية أو وظيفة حكومية أو جهوية أو من أجل إنجاز البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية وخلاف ذلك
بداية هذا الطواف الإداري المضني الذي عايشته هذا الشهر من أجل إنجاز البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية لأبنائي،كانت مع مقاطعة الشرف بسلا التي طلبت منها شهادتي السكنى،فأنجزت على الفور بفضل عون المقاطعة (المقدم هشام الزين) والسيد القائد مشكورين على ذلك،لكن الذي فوجئت به أنها لم تعد مطلوبة لدى دائرة الأمن مما يطرح السؤال عن جدواها في عملية إعداد بطاقة التعريف الإلكترونية
وعن مسألة غباب التنسيق في هذا الباب بين بعض الإدارات المعنية وكيف لا يخبر المواطن بكل إجراء جديد يهمه عبر مختلف الوسائل المتاحة،لكن قبل ذلك،دلفت إلى الموقع الإلكتروني الخاص بإنجاز هذه البطاقة الوطنية،فوجدت أن الواقع الحقيقي مختلف في بعض أركانه عن الواقع الافتراضي،فهناك ما يشبه التناقض بين ما هو مطلوب حضوريا و بين ما هو مكتوب افتراضيا مما يدل على غياب المعلومة أو عدم تحيينها أو غياب التنسيق بين الواقع والافتراضي
وقبل التوجه إلى الدائرة الأمنية الرابعة بحي سيدي موسى بسلا
كان عليه زيارة مقاطعة حسان بالرباط من أجل الحصول على نسخة كاملة والنسخة الأصلية من عقد الازدياد، ففوجئت مرة أخرى بجم غفير من المرتفقين يتقاطرون تحت لهيب شمس حارقة على هذه المقاطعة التي تفتقد إلى التدبير الإلكتروني رغم الجهود المضنية التي يبذلها موظفوها في إعداد الشواهد الإدارية كالنسخة الكاملة وعقد الازدياد المحررين بخط اليد مما يجبرهم أحيانا إلى ارتكاب أخطاء في تعبئة تلك الوثائق الأساسية التي تبنى عليها حياة بكاملها أو وفاة إذا شاء القدر.وقد استدعى منحنى الضغط البشري المرتفع على المقاطعة أن تنتظر ساعات وساعات أو تعود مرغما بين يوم أو يومين لاستلام وثائقك الضرورية لك أو لأبنائك والتي أنت في سباق مع الوقت لحيازتها،والحقيقة المرة هنا أن أولئك الموظفين الساهرين والموظفات الساهرات بهذه المقاطعة على إنجاز الوثائق الشخصية للمرتفقين إنما يعانون مثلهم من الضغط النفسي وغياب وسائل الإنجاز الإلكتروني وضيق المساحة وكثرة الطلبات خصوصا في شهر شتنبر،فليسوا أحسن حالا من حالة المرتفقين على كل حال عند تفاقم حدة الزحام داخل المقاطعة وعند اختلاط الحابل بالنابل في هرج ومرج لا تسكنه سوى كلمات وأدعية من قبيل حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة الا بالله مع توجيه اللوم أساسا للمسؤولين عن الشأن المحلي
خلية نحل بالدائرة الرابعة
المحطة الثالثة هنا بعد استيفاء المطلوب من هذه المقاطعة الرباطية،كانت هي الدائرة الأمنية الرابعة بحي سيدي موسى بسلا التي تقع في حيز غير متسع في مواجهة الساحل البحري ومواجهة الجم الغفير من المرتفقين الذي يزورونها من كل أحياء سيدي موسى الكبير و المكتظ بالساكنة إضافة إلى أحياء أخرى ألحقت بها، ناهيك عن الشكايات التي ترد عليها من كل حدب وصوب من داخل تلك الأحياء المكتظة التي قد تشكل بعضها نقطا سوداء من حيث استفحال بعض الجرائم نتيجة انتشار بعض أسباب الفقر أو الجهل أو تعاطي الممنوعات
وبالفعل تقدمت لمصلحة إعداد الشواهد الإدارية التي يقف على رأسها واحد من خيرة رجال الأمن يساعده في مهامه موظفون لهم تجربة مصقولة وحسن تدبير للأمور في التعامل مع المرتفقين،بل إن رئيس المصلحة نفسه تجده مجندا بشخصه لاستلام الوثائق من المرتفقين ويفسر لهم بكل روح دعابة وبمنتهى البساطة ما ينقصهم فيها وما يجب عليهم استكماله فيها،فتحية لهم جميعا من عميد ورئيس وموظفين وأعوان على الجهود المشكورة التي يبذلونها طيلة الدوام الإداري وخارجه إن اقتضت الحال في خدمة المواطنات والمواطنين رغم ضيق مساحة المقر و ربما تنقصهم بعض وسائل العمل الضرورية،لكنهم مع ذلك يبذلون جهدا مضاعفا من حيث السرعة في إنجاز الشواهد الإدارية مثل شهادة السكنى إذا استوفت شروط القبول الضرورية كعقد الازدياد الأصلي الذي لا تتعدى صلاحيته ثلاثة أشهر وفاتورة الماء والكهرباء بنفس المدة والصور الشخصية ونسخة من بطاقة التعريف الوطنية لولي الأمر وشهادة مدرسية باسم التلميذ أو التلميذة
وكانت وجهتي الأخيرة بعد استلام موعد جديد أن ألج وأبنائي إلى مركز تسجيل المعطيات التعريفية بالدائرة الكبرى بسلا أمام محطة القطار المدينة،وقد مرت الأجواء ولله الحمد في وقت قياسي بعد تقديم الملفين ووضع البصمات ثم العودة لاستلام البطاقتين بعد عشرة أيام
صلاح المواطن من صلاح الإدارة والعكس صحيح
لا ريب أن إصلاح الإدارة مرتبط بإصلاح المواطن وكلاهما ينعكس على الآخر،فمن شأن هذا المواطن أن ينفجر غضبا أو يتجه إلى سلوك طريق” التدويرة أو القهيوة” من أجل قضاء مصلحته الإدارية إذا لاحظ تباطؤا أو تماطلا في إنجاز الإدارة لغرضه خاصة كلما تعلق الأمر بحاجة لا تقبل التعطيل أو التأخير أو أن يدخل في دوامة مضيعة الوقت،وهنا قد يجد من يخفف عنه حمل المعاناة،فيقضي له مصلحته بمقابل مدفوع مسبقا أو لاحقا، ويصبح خطاب محاربة الرشوة مجرد حبر على ورق وصيحة في واد ونفخة في رماد .فعن أي إصلاح إداري سنتحدث إذن بعد ذلك
لابد إذن من تعزيز جميع الإدارات من مقاطعات ومحاكم ودوائر أمنية ونحو ذلك بوسائل الإسراع في إنجاز الأغراض الإدارية المتعلقة بالمرتفق دافع الضرائب مثل الاعتماد على الأرشفة الإلكترونية والتنسيق الإلكتروني بين جميع الإدارات بناء على الرقم التعريفي للشخص المعنوي أو المادي من أجل تسهيل وصول المعلومة وانطلاقها في توقيت قياسي حفاظا على مصالح المرتفقين التي لا تقبل التعطيل أو التأخير
ولا يصح أيضا أن تبقى بعض البوابات والمواقع الإلكترونية الرسمية دون تحيين لمعطياتها يوما بعد يوم وأن تكون مطابقة للواقع دون زيادة ولا نقصان،فالبعض يشتكي من الاختلاف في بعض الجوانب بين المطلوب افتراضيا والمطلوب واقعيا على أن يتم تفسير كل الخطوات وببساطة أولا بأول لكل المرتفقين الذين يزورون تلك المواقع الرسمية لقضاء مصالحهم عن بعد أو بصفة حضورية
وإلى أن نصبح يوما ما على إدارة صالحة ومصلحة و فاعلة ومواطنة،ميسرة لا معسرة وعلى مواطن صالح مصلح ذي ضمير يقظ غير راش ولا مرتشى ولا رائش ولا مزور، نسأل الله أن يعجل بإصلاح أحوالنا ويرفع من مكانة شأننا العام بين الدول الراقية،والله الموفق إلى ما يحبه ويرضاه
باقة من أقوال الحكماء عن فن الإدارة
يظن كثير من رجال الادارة أن العلاقات الانسانية فصل في كتاب تنظيم العمل ،و هم مخطئون في هذا،فالعلاقات الإنسانية هي كل الكتاب/ بيلفر شتاين
ليس المهم ما تعرفه بل ما تفكر فيه في الوقت المناسب /روجر فريتس
الإدارة هي فن الحصول على أقصى نتائج بأقل جهد/ جون مي
إذا أردت من ينجز لك عملاً جيداً, فأختر رجلاً مشغولاً ،فالنوع الثاني ليس لديه وقت/ البرت هوبارد
(*) كاتب صحافي