أخبار عاجلة

محمد خليفة: الهجرة وبؤس العالم

محمد خليفة
المطلع على الخريطة السياسية والإيديولوجية في الدول العربية سيجد الكثير من الظواهر المثيرة للحيرة، من انشطارات الأمكنة والأزمنة، وتفسخ القيم، وتوالي الحروب الأهلية التي تفتقر لأي مبرر عقلاني وتسفر عن مصائب إنسانية لا دور للأخلاق في منع تداعياتها وحصر آلامها. وما إن زادت أهوال الناس، وزاد قهرهم، وانتشر بؤسهم في هذا العالم، حتى بدأت موجات اللجوء والهجرة، والضياع على حدود الدول الأوروبية، تتوالى كالموج المتدفق، معظمهم من دول الشرق الأوسط المسلمة، سيمفونيات من المصير الأسود القاتم، في حلقة مفرغة؛ من بقي منهم، لا سبيل أمامه للفرار، يصبح أسير القتل والفقر والمرض والجهل، واستباحة المال والعرض والكرامة. ومن ظن أن حظه أسعده بالخروج من جحيم النيران، يجد نفسه عالقًا في أحضان المجهول الذي لا يرحم طفلًا ولا شيخًا ولا امرأة. كانت قبورهم تنتظرهم في أعماق البحار، عبر قوارب الموت التي ترحم أحدًا، رحلوا جميعًا، أسرًا وأفرادًا، شيبًا وشبانًا، نساءً وأطفالًا. ماتوا غرقاً في مجاهل الإنسانية، عبثًا بين ثنائية الحياة والموت.
ومن أسعده حظه، بالنجاة من قوارب الموت بعد صراع شرس مع الأمواج العاتية، والظروف القاسية، خاض قهرًا آخر عبر الغابات ومطاردات جنود حرس الحدود، حيث الأسلاك الشائكة، ونيران حرس الحدود التي لا ترحم. وانتهى بهم المطاف في خيام تتقاذفها الثلوج والرياح العاتية في ظروف مناخية على حدود دول أوربا الجنوبية والشرقية، صراع من أجل البقاء، وشعور بالعجز والقهر والوجع تجسيداً لكل عدالة مسحوقة، وآلاف العدسات تنقل للعالم وجوه شاحبة أرهقها الجوع والبرد والخوف، وجوه إنسانية لا أصوات لملامحها، ولا لزفراتها، ولا استنطاق لآهاتها. الأصوات تخترق الآذان ولكن لا تتبين الأجساد، نظرات حسيرة من عيون زائغة تترقب الموت بين الفينة والأخرى، لا بصيص من أمل في النجاة من هذا المصير القاتم ، تمثل تلك النظرات أصدق تعبير عن المواقف العبثية للفرد أمام حتمية الموت وسقوط جدوى الوجود، التي تسود زيف التجربة الإنسانية، وجوهر الإنسان في عرائه الدائم في مواجهته لحقيقة وجوده المجهول، عبر تحسسه وتلمسه لتلك القسمات والتقاطيع، وهي تفاصيل الألم تعكس القلق الكبير الذي يرسمه وجود الإنسان في الحياة.
إن تشرد الشعوب العربية يعكس فكرة النهايات في سياق تفتيت الدول، والتحذير من تحولات كبرى، وتوقعاتها تتضمن بنهايات مأساوية أو بعدم الصلاحية للإنسان العربي، لنظريات وإيديولوجيات الشمولية الكبرى، والتقنية الحيوية، والتقنية السيبرانية، والروبوتات والذكاء الاصطناعي، في سياق العملية التطورية الكونية إزاء التردي الحضاري للمجتمعات العربية منذ مطلع العصور الحديثة، في مجالات التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، الذي لم يرتق بالعقل العربي نحو التنوير والتطور، وإنما الميل إلى الركود والتكاسل والغرور والنزعة الراديكالية؛ وبعيداً عن  ذلك يعيش ما يقارب 15 مليون نسمة من العرب والمسلمين بعيدًا عن أوطانهم، وحتى الآن تستمر موجات الهجرة بسبب الرغبة في العيش الكريم الذي لا يحصل عليه معظم العرب والمسلمين في بلادهم. لكن ما هو تأثير موجات الهجرة المستمرة على أوروبا؟ الواقع أن الهجرة تقلق الأوروبيين، ولاسيما غير الشرعية منها، والتي تحاول دول أوروبا منعها بشكل كامل. لكن الهجرة الشرعية التي تتم وفق قوانين وإجراءات الهجرة المعروفة، فإن غالبية دول أوروبا، وربما غالبية الدول الغنية في العالم تطلبها، لأنها تسهم في دعم عملية النمو، وتوفير أيد عاملة جديدة، لكن لن يكون لهجرة العرب والمسلمين أي تأثير على مجتمعات الغرب، بل العكس فإن القوانين الموجودة في تلك الدول تدفع بالمهاجرين العرب والمسلمين إلى الاندماج في نمط الحياة الغربي بشكل كامل، وهذا سيجعل الأجيال القادمة من أولئك المهاجرين يفكرون بنفس طريقة تفكير الغربيين، مما يؤدي إلى ذوبان هؤلاء في النسيج المجتمعي الغربي، وبهذه الطريقة تخسر الدول العربية شبابها، وتكسبهم دول الغرب كفاعلين اقتصاديين فيها.

كاتب من الإمارات

شاهد أيضاً

شاومي تتألق في تصنيف Brand Africa 2025 وتطرح تابلت Redmi Pad 2 بتقنيات متطورة في المغرب

أعلنت علامة شاومي عن احتلالها المرتبة 29 ضمن تصنيف Brand Africa لعام 2025 لأكثر العلامات …