محمد خليفة
رغم ما أنجزته هذه الحضارة المعاصرة من تقدم علمي وتكنولوجي واسع، لكنها لم تفلح في إنقاذ الإنسان من أزماته وعلى رأسها أزمة الجوع والكفاية من الطعام والشراب. بل إن الإسراف في مكننة المجتمعات قد أدى إلى زيادة عدد الجائعين في العالم، وقد كان يعول على الآلة أن تساعد الانسان في زيادة الإنتاج ولاسيما في مجال الزراعة، لكن تبين أنها لم تكن على قدر المسؤولية الملقاة عليها، لأن الفقر والجوع يتمددان في طول العالم وعرضه. وأيضاً فإن الاستخدام الخاطئ للعلم ولاسيما في مجال التغذية قد أوجد منتجات غذائية تعد السبب الرئيسي لأمراض السرطان والأمراض القاتلة الأخرى، وخصوصاً تلك الأغذية التي يتم هدرجتها، بغاز الهيدروجين، وتحويلها إلى منتجات غذائية أخرى، أو إدخال المواد المهدرجة في صناعة مواد غذائية ثانية. أو المواد التي يوجد فيها عناصر معدلة وراثياً. وهذا مثال بسيط على مدى إسراف العلم في إيذاء البشرية. وقد أرجعت الأمم المتحدة زيادة عدد الجوعى في العالم إلى جائحة كورونا. وقالت المنظمة الدولية في تقرير أصدرته في شهر يوليو 2021 . إن عام 2020 قد شهد تفاقماً كبيراً في معدلات الجوع في العالم، وعلى الأرجح، يُعزى بنسبة كبيرة إلى تداعيات جائحة كورونا. ويقدر التقرير، الذي شاركت في إعداده عدة وكالات، أن حوالي عُشر عدد سكان العالم – ما يصل إلى 811 مليون شخص – كانوا يعانون من نقص التغذية خلال العام الماضي. ويشير الرقم إلى أن العالم سيحتاج إلى جهد هائل للوفاء بتعهده بالقضاء التام على الجوع بحلول عام 2030. ومنذ منتصف سنة 2010، بدأ مؤشر الجوع في الارتفاع، كما تقول المنظمة الدولية في تقريرها، بعد تراجع عزز الآمال في توفير الغذاء للجميع. ما يدل على أن الجائحة المرضية لم تكن هي السبب الرئيسي والوحيد لما يحدث اليوم ولما قد يحدث في القادم من السنين من حيث اتساع رقعة الجوع وازدياد عدد الجائعين في العالم. وهناك مناطق في العالم كانت تعاني بشكل مستمر من الجوع، مثل بعض دول قارة أفريقيا، التي تلعب عوامل متعددة في عجزها عن الشروع في إحداث تنمية حقيقية فيها، لكن اليوم اتسعت رقعة الجوع لتشمل بعض الدول العربية والإسلامية، مثل السودان، واليمن، وسوريا، ولبنان، وأفغانستان، وهناك دول عربية وإسلامية واقفة، هي الأخرى ،على شفا حفرة . وليس المرض والحروب والفتن هي السبب الوحيد لانتشار الجوع، كما تحاول بعض المراجع الدولية قوله. بل هناك عوامل أخرى أهمها تعميق مكننة المجتمعات، كما أسلفنا، وزيادة الهجرات من الريف إلى المدينة، بل تمدين الريف نفسه، وقطع الصلة بين الانسان والأرض، والنظرة إلى العمل الزراعي على أنه عمل وضيع لا يحقق طموحات الانسان في بلوغ مستويات الرفاهية التي تحققها الوظيفة في دواوين الشركات أو المؤسسات، وأيضاً فإن الدول النامية وهي غالبية سكان العالم، لا تدعم، في معظمها، الزراعة ولا تقدم التسهيلات والقروض الميسرة للمزارعين ولا تعوضهم في حال خراب موسمهم بفعل عوامل المناخ أو سوى ذلك. بل إن الانسان في تلك الدول هو الذي يبادر وهو الذي يتحمل التكاليف الباهظة ويعيش على الكفاف أو تحت مستوى الكفاف، فقط ليفلح أرضه ويزرعها بالمحاصيل المختلفة. إن إنقاذ العالم من الجوع لا يكون عبر نشر تقارير أو إطلاق توصيفات غير صحيحة، بل من خلال خطة عالمية طموحة تقوم على دعم المزارعين في دول العالم النامي، وذلك عبر بنوك دولية يشرف عليها موظفون دوليون يقدمون التمويل الضروري للفلاحين في مختلف دول العالم النامي ، ليفلحوا أراضيهم ويزرعوها، وتعويض هؤلاء الفلاحين عن الخسائر التي قد تلحق بهم. وبهذه الطريقة فقط يمكن تخليص العالم من الجوع ويمكن تحقيق الاستدامة في الغذاء.
كاتب من الإمارات