محمد خليفة
مرّ عام كامل على تسلم الرئيس الأمريكي الديمقراطي بايدن زمام السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية. هذا العام المنصرم، ولا شك، يسمح لنا بتكوين رؤية شاملة على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تؤثر، بل وتتحكم، في العقود الأخيرة، بكل أحداث العالم وقضاياه في كل مكان منه، من منطلق نفوذ الولايات المتحدة ودورها، باعتبارها الدولة العظمى الأولى والوحيدة في عالم اليوم حتى يومنا هذا.
لقد نجح الرئيس الأمريكي في سياسته الداخلية بشكل بارز في تحقيق منجزات هامة لشعبه، واستطاع تحقيق الفوز في معارك سياسية داخلية عديدة مكنته من الوفاء بالكثير من وعوده التي قطعها لشعبه خلال حملته الانتخابية، وأهمها التصدي لجائحة كورونا، والحد من آثارها. وقد أولى الكثير من الاهتمام للسياسة الخارجية، ومنها دعوة 110 دولة في العالم إلى عقد قمة حول الديمقراطية، وهي القمة التي انعقدت افتراضياً بين 9 و11 ديسمبر 2021. هذه الدعوة تُمثل أعلى مراحل اليوتوبيا، نظرًا إلى كون الديمقراطية فكرة مثالية، وليست موضوعاً من موضوعات الوجود. لكن رغم ذلك فإن هذه القمة لم تكن للتسلية أبداً، ولا لطرح الأفكار المثالية ومناقشتها، بل لها خلفيات سياسية مرتبطة بمحاولات أمريكية من قبل لفرض قيم الديمقراطية.
ورغم أن ما يشاع في الإعلام الأمريكي من أن الديمقراطية باتت مهددة بفعل عوامل التغير المناخي وانتشار الأمراض، لكن ذلك كله يُعتبر مجرد أقول لا قيمة لها، لأن عقد هذه القمة يعني أن الولايات المتحدة ستعود إلى التركيز على الديمقراطية، وعلى ضرورة نشرها في العالم، كي تخلق عالماً متجانساً معها في مواجهة العالم الآخر المختلف المتمثل في الصين، ذلك أن أكثر ما يخيف الولايات المتحدة هو النظام السياسي والاقتصادي الصيني الذي نجح في توظيف طاقات مليار ونصف مليار مواطن صيني، وصنع بهم نهضة صناعية هائلة جعلت من الصين قوة عالمية عظمى.
وقد بات النظام السياسي والاقتصادي الصيني يستهوي الكثير من مفكري الغرب بوصفه نظاماً صالحاً لمختلف المجتمعات، بعكس الديمقراطية الغربية التي لم تستطع أن تحقق مبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء المجتمع، وهي ليست وصفة سحرية لانتقال المجتمعات المختلفة من الفقر إلى الغنى، ومن العبودية إلى التحرر. من وجهة نظر أولئك المفكرين. وقديماً ذمّ أرسطوطاليس الديمقراطية واعتبرها تماثل الفوضى. والواقع أن الولايات المتحدة قد سبق لها أن جندت نفسها، ومن خلفها الدول الحليفة لها، لحرب فكرية ضد الاتحاد السوفييتي السابق، والدعاية الشيوعية التي اجتاحت الغرب قبل وبعد الحرب العالمية الثانية، حيث ظهرت “المكارثية”، في الولايات المتحدة، آنذاك، وتهدف الطريقة “المكارثية” إلى تشديد الرقابة على الشيوعيين الذين يعملون في الدولة. ورغم أن الحرب الثقافية لم تصل اليوم بين الولايات المتحدة والصين إلى تلك المرحلة، بسبب عدم وجود دعاية شيوعية صينية، ولأن الصين لم تكن من الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية فتحصل على ثمار النصر، كما كان حال الاتحاد السوفييتي السابق، لكن تركيز الدولة الأمريكية على الديمقراطية اليوم هو مقدمة لأمور أشد قد تحدث، لكن من غير المعروف ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على فرض ديمقراطيتها في العالم، وبما يخدم استراتيجيتها في مواجهة الصين التي اتبعت أسلوباً اقتصادياً، لتدعيم وجودها من خلال مبادرة “الحزام والطريق”، ودعمت تلك المبادرة بأكثر من تريليون دولار من أموالها من أجل مساعدة الدول التي تدخل فيها.
وهكذا فإن الشهد العالمي يتجه نحو استقطاب شديد في المرحلة المقبلة، وهو استقطاب سيربحه من يستطيع توظيف قدرات أكبر، وكما ربحت الولايات المتحدة الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي الذي انهار من تلقاء نفسه، بعد أن استنفذ كامل طاقاته في تلك المواجهة، أيضاً فإن الحرب الباردة التي بدأت بين الولايات المتحدة والصين ستشتد حتى تستنفذ إحدى الدولتين كامل طاقاتها وتعلن الاستسلام، وربما يتطور هذا الصراع إلى حرب حقيقية دامية، وإن كان ذلك مستبعداً اليوم، لكنه قد يصبح حقيقة في القادم من الأيام، وخصوصاً عندما تفشل كل الطرق الأمريكية في عرقلة نمو الصين، ودفعها إلى الخلف، وقد فشلت الولايات المتحدة في استغلال الاضطرابات التي وقعت في هونج كونج، لنزع الأخيرة تمامًا عن السيادة الصينية، واكتفت فقط بالتنديد، كالعادة، بضرورة احترام حقوق الإنسان في الصين، كما أنها تحاول بسط حمايتها على تايوان التي تعتبرها الصين مقاطعة مارقة يجب عودتها إلى البيت الصيني إن عاجلًا أم آجلًا. إضافة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على شركة” هواوي” الصينية، في محاولة منها للحد من إمكانية حصول الشركة على مكونات تكنولوجية هامة لمنتجاتها. وتهدف تلك القيود بصورة أساسية لمنع الشركة الصينية من شراء رقائق الكمبيوتر المصنوعة باستخدام التكنولوجيا الأمريكية، من الأسواق المفتوحة، حتى لو لم تكن مصممة خصيصا لهواوي. كما تضيف تلك العقوبات 38 اسما مرتبطا بشركة هواوي إلى القائمة السوداء التجارية.
إن هذه المعارك الصغيرة، التي تخوضها الولايات المتحدة للحد من التغول الصيني في مناطق النفوذ الأمريكية في مناطق عدة في العالم، قد تكون مقدمة لحرب مفتوحة شاملة تقوم بها الولايات المتحدة لمنع غريمتها من كسب النزال الشامل.
كاتب من الإمارات