أخبار عاجلة

محمد خليفة يكتب: السياق السياسي بين الصين وأوروبا

بقلم محمد خليفة (*)

إن لكل حقبة زمنية منظورها، وإن فهم أية حقبة والتعامل معها يستوجب معرفة المنظور الخاص بها؛ وذلك لأن المنظور بحد ذاته يمنحك القدرة على رؤية ملامح تلك الحقبة، ومن ثمّ فهم علاقات الدول بعضها ببعض، خاصة تلك الدول التي لا يجمعها جامع مشترك من لغة، أو عقيدة، أو تاريخ مشترك، أو جوار، أو أعراق متجانسة.
إن إدراك هذا المنظور يجعلنا ننظر بعمق لتلك العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي، والتي تتأرجح بسبب تبعية ذلك الاتحاد سياسيًا وعسكريًا للولايات المتحدة، ما يجعل من الصعب عليه أن يتخذ سياسة خارجية منفردة ومتوازنة مع الأقطاب الدولية الأخرى. ورغم الرغبة القوية لدى قادة الطرفين في إقامة علاقات تبادل قوية وراسخة، لكن الاتحاد الأوروبي يتراجع في اللحظة الحاسمة، ويمنع تلك العلاقة من الاكتمال للوصول إلى غايتها المنشودة.
منذ عام 2013 اتفق الجانبان على بدء المفاوضات للوصول إلى اتفاقية للتعاون المشترك، وكان ذلك أثناء زيارة هرمان فان رومبري، رئيس المفوضية الأوروبية السابق إلى بكين، واجتماعه مع رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ.
وفي شهر ديسمبر من العام المنصرم عقد الرئيس الصيني شي جين بينغ اجتماعاً، عبر الفيديو، مع المستشارة الألمانية السابقة آنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، للإعلان بشكل مشترك عن إنهاء مفاوضات اتفاقية الاستثمار بين الصين والاتحاد الأوروبي وفقاً للموعد المحدد. وتمثل هذه الاتفاقية إطاراً قانونياً موحداً لعلاقات الطرفين الثنائية في مجال الاستثمارات، وهي تحل محل الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين الصين وبعض الدول الأوروبية.
ويعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول للصين في العالم، حيث بلغ حجم الاستثمارات الأوروبية في الصين نحو 150 مليار يورو، كما بلغت الاستثمارات الصينية في الدول الأوروبية نحو 113 مليار يورو. وقد تطورت خطوط النقل بالسكك الحديدية بين الصين ودول الاتحاد الأوروبي، فيما أطلق عليه ” الجسر البري الأورواسي ” وذلك كجزء من مبادرة “الحزام والطريق”. وتربط القطارات حالياً بين أكثر من ستين مدينة صينية، وما يزيد على خمسين مدينة أوروبية. وفي شهر يوليو 2021، عقد قادة الصين وفرنسا وألمانيا، ثاني قمة افتراضية بينهم، وهو ما أظهر مرة أخرى للعالم رغبتهم المشتركة في تعزيز الحوار، وتوسيع تعاون يحقق المنفعة المتبادلة، بالإضافة إلى شعورهم المشترك بالمسؤولية تجاه مواجهة التحديات العالمية، ولاسيما جائحة ” كوفيد 19”.
لكن تلك القمم، وذلك التواصل المستمر بشأن التعاون، سرعان ما ذهب أدراج الرياح، بسبب التزام الاتحاد الأوروبي جانب السياسة الأمريكية في التعامل مع الصين. حيث ساءت العلاقات بين الجانبين كثيراً، في الآونة الأخيرة، وأوقف الاتحاد الأوروبي التصديق على الاتفاقية الموقعة مع الصين، وسحبت ليتوانيا، عضو الاتحاد، دبلوماسييها من بكين بسبب إصرار الصين على استعادة تايوان، ورغم أن ليتوانيا هي دولة صغيرة على بحر البلطيق، لكن في النهاية هي عضو في الاتحاد الأوروبي، وهي تمارس دوراً في نطاق ذلك الاتحاد.
وفي خطوة لاحقة فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مسؤولين من الصين اتهمهم باحتجاز أعداد كبيرة من أبناء الأويغور المسلمين في غرب الصين. وردّت الصين على الإجراء الأوروبي، وفرضت عقوبات على مسؤولين أوروبيين. وقد عبر عضو مجلس الدولة الصيني ووزير الخارجية وانغ يي، عن العلاقة بين الصين والاتحاد الأوروبي بقوله ” إن أوروبا لديها “انفصام إدراكي” في سياستها تجاه الصين، إذ تسعى لأن تكون شريكاً لها، وفي الوقت ذاته تراها خصماً”.
لا شك أن فهم طبيعة العلاقات بين الصين والاتحاد الأوربي، لا يمكن فهمها أو تقييمها إلا في إطار طبيعة العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ومن هنا تتأرجح تلك العلاقات بين الرغبة والرهبة، ولا تسير على وتيرة واحدة، على الرغم من إدراك مسؤولي ذلك الاتحاد أن مصلحة دول الاتحاد الأوروبي، ككتلة اقتصادية عالمية ، هي في توسيع علاقاته، ولا سيما مع الدول المؤثرة مثل الصين، وروسيا لكن التحالف مع الولايات المتحدة يشدهم للخلف، وبضر بمصالحهم الاقتصادية، وإن كانت تلك العلاقة مع الشريك الأمريكي تضمن لهم الحماية العسكرية، كما حدث من قبل عندما اجتاحت النازية دول أوربا، ولولا التدخل الأمريكي لكانت أوربا مستعمرة نازية حتى اليوم.

(*) كاتب من الإمارات
البريد الإلكتروني : medkhalifaaa@gmail.com

شاهد أيضاً

العرائش تحتفي بالفيلم المغربي “فينك أليام؟” في ختام فعاليات “أربعاء السينما” لتعزيز الثقافة والذاكرة الجماعية

ينظم النادي السينمائي لجمعية إشعاع للثقافات والفنون بالعرائش، يوم الأربعاء 25 يونيو 2025، الحصة الختامية …