أخبار عاجلة

حمادشي يكتب: الشغب في الميدان الرياضي..مقاربات متعددة

عبدالرزاق حمادشي

إن المتأمل في الشأن الرياضي ببلدنا، ليدرك من الوهلة الأولى أدلوجة-فكرة مؤداها؛”أن الساحة الرياضية بالمغرب،لايكاد ينام لها جفن، حتى تستيقض على واقع توالي الاسقام والكوارث من كل حدب وصوب، ولعل ظاهرة الشغب التي باتت تغزو الملاعب الوطنية في السنون الأخيرة، لخير دليل على تفشي وباء الإصابة بداء التعصب القومي للفريق أو كما يسميه الدكتور هارون يحيى ب (الرومانسية القومية)، وعليه يجيز لنا القول بأن هذه المطارحة تروم بالأساس إثارة مجموعة من القضايا والحيثيات التي تزامل هذه الآفة المستعصية، من ضمنها؛الدوافع الكامنة وراء نشوب الشغب في ملاعبنا الكروية، خلفيات وتبعيات هذه المصيبة على المجتمع وباقي القطاعات، والحلول التي يمكن من خلالها الحد من تفاقم الظاهرة المراد تمحيصها ومكاشفتها على حد سواء.

بادئ ذي بدء،لابد من التوقف لبرهة عند أهم الدوافع التي ترمي إلى إحداث دوي من الشغب والعنف في الميادين الكروية، وهي كثيرة يعجز القلم واللسان على حصرها وعدها، فمنها ما يقترن بالوازع الأخلاقي والثقافي،ومنها ما يرتبط بالوازع السياسي والاقتصادي ومنها ما يرتبط بالوازع المجتمعي.ومنه فإن كل هذه الإرهاصات تشي بكون الظاهرة قيد المناقشة والدراسة تشمل مختلف مناحي الحياة وبالتالي فهي ظاهرة شائكة ومركبة.
فمن الناحية الأخلاقية والثقافية، نجد بأن ما يدفع الجمهور نحو الغليان والهيجان والإنفجار هو حدوث مخالطة بين الفئة السالبة والموجبة فعندما يقع تماس بين الفريقين يحدث غليان من الشغب داخل الملاعب الرياضية، فتتحول الملاعب إلى مأثم ومجزرة كارثية، نتيجتها خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة وتشويه لمعالم الملعب ككل، لكن هذا التلاحم والعراك، لاينشأ من فراغ بل تمليه ظروف زمكانية تتبلور في النقط التالية؛”طبيعة المباراة، توقيت المباراة، حساسية الفريقين، نوعية أداء الفريقين داخل رقعة الملعب، نتيجة المباراة النهائية….”

لهذه الظروف وغيرها تقودنا نحو التسليم بفكرة مفادها:”عندما يختلط الطالح بالصالح ويسود فكر الطالح ومنطقه فتوقع حصول الأسوء.”وهذا ما ذهب إليه الدكتور أمين أنور الخولي في كتابه الرياضة والمجتمع بقوله<<إن ثقافة الجمهور هي التي تحدد لنا طبيعة مشاهدته للمباراة، فإذا كان الجمهور متحضرا تأقلم مع نتيجة المباراة بطريقة لبقة ومحترمة قوامها الروح الرياضية، أما إذا كان الجمهور همجيا فإن تفاعله مع سيكون بهائميا بحيث سيطلق العنان لسافرات الاستهجان وستعم الفوضى أرجاء الملعب وبغض النظر عن النتيجة التي آلت إليها المباراة في نهاية المطاف.

يسمع صوته، ولا يلقى من يشفق على حاله فإنه يتخذ من الملعب فضاءا لتمرير خطاباته المسكوت عنها والمكبوتة في دواخله،بطريقة ساذجة تميل إلى العنف المادي أو الرمزي.
فمن ذا الذي يمنعه من ذلك عندما يصطف مع أنصار فريقه تحت قبعة التشجيع والمساندة؟
هذا الطرح يحتم علينا التمنطق قليلا، عند معالجتنا لهذا الموضوع قصد فك شفراته وطلسماته العمياء، لقد صار من البديهي القول بأن توالي الهزات السياسية والاقتصادية في المغرب والمتجلية في العناصر التالية وهي على سبيل الحصر فقط:
× البطالة بأنواعها.
×ضعف الدخل الفردي.
× غلاء المعيشة.
× عدم استقرار الأسعار في مختلف المواد والخدمات.
× ضعف التعليم.
× قلة الاستثمارات وتمركزها في مناطق محددة.
× تباين الفوارق المجالية.
× انتشار الآفات الإدارية (المحسوبية والرشوة…)
× تقادم المناهج الدراسية المتبعة في مختلف الأسلاك.
× المقاربات التعسفية في تدبير المطالب الاجتماعية.
× هشاشة المشهد الإعلامي.
× هشاشة سياسة الادماج الاجتماعي  المتبعة داخل السجون والمراكز الإصلاحية.
× العشوائية التي تطال بعض المرافق العامة مثل مرفق الصحة والقضاء…
× رخاوة السياسات العمومية.
كل هذه المؤشرات البارزة أعلاه وقس على ذلك أدت إلى تكوين رأي عام رياضي أو جمهور يتبنى أفكارا إنتقامية يعمل على إفراغها من خلال إرتياد القاعات الرياضية.
أما من الناحية الاجتماعية، فإننا هاهنا ملزمون بإستحضار النظرية القائلة بأن “الظواهر الاجتماعية لاتنشأ من فراغ بل تمليها إشراطات معينة.”وعلى هذا الأساس فإن ظاهرة الشغب هي في الأصل أيديولوجية تجسدت وترسخت في ذهن الجمهور نتيجة حدوث تفاعل بين مكونين إثنين:
الأول:يتجلى في تصدع العلاقة التي تربط الشخص بالدين.
الثاني:يتمثل في تقويض القيم المثلى والراقية في المجتمع والمستقاة من التعاليم الدينية السمحاء ومن العادات والتقاليد المجتمعية.
وعندما تتفاعل هذه المكونات نحصل في النهاية على ثقافة همجية وسلوكيات شاذة تستمد منطقها من عالم الغاب، تبرز عند متابعة كل مباراة بشكل جماعي.وبالتالي تنتفي كل الأواصر والوشائج الإجتماعية إننا إذن إزاء الحديث عن تراجع منسوب الوعي المجتمعي بماهية الرياضة في بلدنا وهذا ما أشرنا إليه في مقال سابق عنون ب “الرياضة المغربية حال وأحوال:إثني عشر أطروحة لتشخيص الرياضة المغربية”.
عندما قلنا؛ “إذا كان أغلب المغاربة لايدركون الغاية التي من أجلها تمارس الرياضة، فهم حتما لايدركون حقيقتها.”
أصبح من الطبيعي القول بأن ظاهرة الشغب(La violence) أضحت تؤرق بال الكثيرين وتنغص عليهم متعة مشاهدة مبارياتهم المفضلة، وينسب هذا إلى كونها تخلف خرابا بائن في كل المجالات والحقول، وسنتطرق هنا إلى ثلاث حقول أساسية وهي؛ الاقتصاد والسياسة والثقافة.
ففي المجال الاقتصادي:تؤدي ظاهرة الشغب إلى تخريب المنشآت الحيوية ( حافلات النقل العمومي،مقاهي، سيارات،حدائق عمومية، ملاعب، أبناك، متاجر…) مما يسبب شللا في الحركة التجارية وبالتالي تكليف الدولة والأفراد ميزانيات هامة في تغطية نفقات هذه الخسائر، ناهيك عن التدمير الذي يطال الملعب والذي يتخذ الصور الآتية؛(اقتلاع الكراسي من موضعها، تكسير السياجات، ملء وسط الملعب بالقارورات الفارغة والأحجار، تدمير منصة الصحافة والإعلام،تكسير لوحة التحكم المتواجدة في الملعب، حشو قنوات الصرف الصحي بالازبال وغيرها من أشكال التدمير التي المألوفة في مجتمعنا.كل هذه الأعمال الإجرامية تستنزف من الدولة أموال طائلة تقدر بملايير السنتيمات.
وفي المجال السياسي؛تساهم ظاهرة الشغب في تمظهر فصائل طائفية أو حزبية، مما يحول المباراة إلى رقعة للتعصب الطائفي، حيث يسعى كل طرف إلى الدفاع عن حزبه أو منظمته ولو باستعمال الأسلحة البيضاء، فتصبح المباراة ساحة للعراك السياسي وليس ملتقى رياضي تسود فيه الروح الرياضية.
وفي المجال الثقافي؛تخلف ظاهرة الشغب حالة من الحيوانية والعدائية،إذ تؤدي إلى ترسيخ القيم المدنسة في الفئة الناشئة المستهلكة للمادة الإعلامية خاصة إذا تعلق بمحتوى يحمل صور لأحداث شغب أو التي تابعت اللقاء من المدرجات وبالتالي فهي تعبد الطريق أمام بزوغ جيل جديد صاعد سنيسج على منوال سابقه ويتخذ من المدرجات ملاذا للتنفيس عن مكبوتاته المضمرة

بناءا على ما تقدم أضحى لزاما علينا ونحن نعالج هذه الآفة المستفحلة أن نقترح حلولا يمكنها، الحد من تفشي هذه الظاهرة ولعل من جملتها:
+ إعادة النظر في التعليم بمختلف اسلاكه ومناهجه البيداغوجية.
+ تحيين القوانين المتعلقة بظاهرة الشغب.
+ التوظيف الأمثل للإعلام في غرس القيم الكبرى للرياضة.
+ إعادة تأهيل الملاعب وجعلها فضاءات للترفيه والتعليم والتربية.

طالب باحث في سلك الماستر تخصص القانون العام الداخلي وتنظيم الجماعات الترابية ومهتم بالشأن الرياضي

شاهد أيضاً

داكشر المغرب تعزز حضورها اللوجستي بافتتاح مخزن وساحة الاستخلاص الجمركي MEAD في مراكش

افتتحت مجموعة داكشر المغرب، اليوم الاثنين 23 يونيو 2025 بمدينة مراكش، وحدة لوجستية جديدة تضم …