عرف منذ طفولته، ألما صعبا نخره جسديا ونفسانيا، عاش معه كل ذلك وأفقده الكثير من الوقت لتطوير ذاته واستشراف مستقبله بنظرة وإحساس متفائل، دائما كثير التشاؤم (التشاؤمية شعاره الازلي).
تأتيه لحظات الألم القوي الذي يهوي به سحيقا فوق سرير منزلي، الذي اصبح ماركة مسجلة باسمه، ينخره الألم الصعب ليجد نفسه انه اوشك على الرحيل، في قرارة نفسه، يخاف من الموت وأنه غير مستعد للحساب، وأنه سيترك حزنا لأسرته، واحبائه واصدقائه.
قد يطول الألم لأيام، او اسبوع تعب وألم لا يطاقان، يذرف دموعا خلسة في الحمام او تحت الغطاء الشتوي او الصيفي، اذ كلما انتابه الألم، تألم كل من حوله ففي البيت تطفأ الأنوار، ويكون جهاز التليفزيون صورا بدون صوت، تغيب الابتسامة والفرحة طول مدة (الألم) الانين.
ما اكتبه في هذا المقال قصة واقعية حقيقية، لا غبار عليها، رواها صديقي الغريب، لأول مرة بلسان صادق، كلما التقيته يحكي ألمه، ارتأيت كتابتها بعد أن استشرته، ووجدت صعوبة في إقناعه وفي كتابة قصته، غيرت الكثير تحت طلبه، حتى لا يكتشف، تتساءلون لماذا أكتبها؟!
أصبح الكثيرون يعاتبونه عن عدم الاتصال بهم أو حتى التواصل معهم، لا يرد على رسائلهم او اتصالاتهم، لا يريد إخبار أحد عن ألمه الذي عاش معه منذ طفولته إلى مرحلة الشباب، يجزم بأن هناك الكثير من يتألمون أكثر منه، بسبب مرض الكيميائي وغيره، من الأمراض المزمنة الضغط الدموي والسكري، … أصبح لا يبتسم إلا لماما فقد الكثير من حيويته ونشاطه، وقلت لقاءات الأصدقاء، يكثر من الأعذار ويخترق الأكاذيب.
صدمني اتصاله خلال السنين الأخيرة، اذ تجاوزت مدة المكالمة ساعة كاملة أرهقتني، وآلمتني عندما أخبرني بأنه يحتاج البوح لكن لا يستطيع، لأنه سبق وأخبر بعض أصدقائه بألمه، وحزنوا لذلك، لكنهم اتخذوا ذلك تنمرا في لقائه بهم أو عن بعد، لقد أصبح لسان حالهم، أنه صديق كثير الشكوى والتهرب، أحسست به يبكي حرقة، لكنه أكد أنه لا يكرههم، بل بالعكس في تنمرهم نسيان لألمه وتعايش معه، لأنه مؤمن بقضاء الله وقدره.
فالموت واحد والأسباب متعددة، أفزعتني قصته ولم أجد كلمات لأقولها له مواساة وتضامنا، وحزنا، لقد ترجيت إنهاء المكالمة الهاتفية لكنها طالت.
عندما سمح لي بكتابة قصته، كنت أرسل له المقال ليطلع عليه، فيطلب مني تغييرات أعمل أحيانا كثيرة عل تغيرها دون مناقشته خشية إحراجه.
استغربت في أحد الأيام، في تواصلنا الذي انقطع لأسابيع طويلة، أن بعض من يشتغلون معه، يعانون من أمراض مختلفة لكنهم غير قادرين على إخبار والديهم وزوجاتهم بل وذرياتهم وأقرب مقربيهم من أصدقائهم وأحبابهم.
شخص يمتاز بالطيبة والحب، كل من يعاشره يعرف ذلك، يتميز بخفة دمه وضحكه ومقالبه الكثيرة البسيطة، يترك دائما كلمات يتداولونها لأنها مسجلة بأفيهات لا تنسى، وهو كثير التبسم في وجوه الناس، رغم كل شيء.
قدره أن يعيش بالمسكنات، التي يؤكد على أنها رحمة ربانية، رغم ذنوبه، وضعف إيمانه، وأخطائه المكررة، واجهته صعوبة خلال سنوات خلت، وبها يتقوى، فالألم زائل والفرحة تزول والحياة مد وجزر، فرح وحزن، حب وكره…
أخذت على عاتقي كتابة قصة صديقي الغريب، وإن كانت مؤلمة، لأني وجدت وعايشت تنمرا بين الناس، والاستهزاء والفرح لآلام الآخرين، وجعله حديث الحقد، ومأدبة غيبة ونميمة، واستصغارا من قيمتهم، يخلف ذلك مأساة حقيقية مدمرة، لن يعرفوا بمرارته إلا أن يبتلوا بالأمراض، وسيندمون فماذا سيستفيد المتألمون من اعتذارهم او طلب المسامحة، علينا جميعا ان نكون راحمين، لنرحم من رب العالمين.
شاهد أيضاً
محمد خليفة يكتب: فرنسا.. والتحولات السياسية
محمد خليفة (*) دخلت فرنسا في مسار تغيير عميق بعد الانتخابات الأخيرة البرلمانية، التي جرت …