أخبار عاجلة

شعار “غزة، رمز العزة” من مناصرة فلسطين إلى مناهضة غطرسة النظام العالمي

كتب عبد الرحمن الحلو

صدحت الحناجر بهذا الشعار منذ السابع من أكتوبر، لتحريك حشود المتظاهرين لنصرة غزة وفلسطين، في العالم العربي والإسلامي خاصة، بل في جميع أنحاء العالم. وبعيدًا عن نطاقه الاشتقاقي الموحي بالاعتزاز بأهل غزة، فإن الشعار يكتسي بعدا اجتماعيًا وجيوسياسيًا غير مسبوق قبل طوفان الأقصى. لم يحدث قط في تاريخ فلسطين المحتلة أن أدى التصعيد القتالي إلى حشد هذا الطوفان من الدعم والغضب في كل أنحاء المعمور. وزادت الغضب تأججا مواقف الغرب المخزية المؤيدة لجرايم إسرائيل. صحوة ضمير حقيقية، شملت المثقفين الأحرار كما عبأت المواطنين العاديين في المظاهرات بعزم ومثابرة. وهنا يكمن البعد السوسيو والجيوسياسي لشعار ” غزة رمز العزة “. نضال أهل غزة والضفة من أجل حريتهم واستعادة أراضيهم وتحرير الأقصى هو بحق جهاد من أجل العزة والكرامة اللتين داسهما العدو الصهيوني بوحشية، بدعم لا مشروط من الغرب، وفي إنكار صارخ للقانون الدولي، وقانون النزاعات المسلحة، بل في إنكار لمجرد القيم الإنسانية، والتي يظهر كيف أسقطت عندهم من مفهوم “المشترك الإنساني”. فلم تعد هذه الكرامة المهانة كرامة سكان غزة وأهل فلسطين وحدهم، بل أصبحت القاسم المشترك لكل المواطنين العرب والمسلمين الأحرار في العالم، ومعهم بعض الشعوب من جميع الأديان والجهات حول العالم، كما تجلى ذلك في الشوارع والمنازل، وعلى القنوات التلفزيونية وشبكات التواصل الاجتماعي. اليوم غزة وغدا تازة.

فماذا وراء حماسة انخراط ملايين المواطنين في العالم، الذين جمعت هم غزة ووحدت كلمتهم وشعاراتهم؟ أيكونون قد فقدوا أحباءهم مثل سكان غزة؟ أم هل رأوا بأم أعينهم السقوف تنهار على رؤوسهم؟ أم أنهم عانوا من الجوع والعطش والألم في أجسادهم؟ بل إنهم استجابوا لنداء الضمير وواجب الأخوة الإنسانية. ثم ما الذي يجعل اليوم من مقاومة أهل غزة قضيتهم؟ ألا يكون الشعور بانتهاك كرامتهم المشتركة، التي تذبحها الدول الغربية كقربان للإمبريالية الجديدة؟ لقد انفضح على أعين العالم المخطط الجيوستراتيجي الإمبريالي للتحالف الصهيوني المسيحي في المنطقة: تحييد الشعوب العربية من الصراع، وقد تم من قَبل تخديرها بمفعول العولمة الثقافية وتكبيلها بأيدي الأنظمة المحلية المستلبة من طرف الإمبريالية نفسها، إما تحت إكراه التهديدات الجيوسياسية المصطنعة، أو تحت إغراء المنافع الشخصية والعائلية والفئوية. لقد انهارت الأساطير الغربية لسيادة القانون الدولي والقيم الإنسانية الكونية والديمقراطية المحررة للشعوب. وانكشف بانهيارها الوجه الذميم لثقافة “ما بعد الحداثة ” التي تجب ب كل القيم الإنسانية بقوة المدفع وغطرسة المال. فهل رأى العالم كيف جن جنون المحتل للاستبسال غير المتوقع لـثلة من المقاتلين الجواسر، يجرؤون على تحدي القوة الإسرائيلية المتغطرسة، المغروسة كالخلية السرطانية في المنطقة قبل قرن من الزمان؟ في هذه الحرب الانتقامية، لم يكلف المحتل نفسه عناء التبويق برواية رسمية لهجمات الإبادة الجوية التي ارتكبها، يكون مفادها كما جرت العادة “استهداف مواقع عسكرية، مع أضرار جانبية طالت المدنيين في المستشفيات ومدارس الأونروا”. لم يكن أحد غير بايدن ليصدق مثل هذا الزعم. لقد تبين لكل محلل لبيب كيف أن جيش الاحتلال لا يهاجم بشكل مباشر القوة العسكرية لحماس، وهي مصدر الضربات الموجعة المنطلقة من ضواحي المناطق المأهولة إلى عمق الداخل اإلسرائيلي. أليست الخطة الحقيقية هي القضاء أولاً على ساكنة غزة المدنية من جيل الأطفال ومن النساء اللواتي من أرحامهن يخرج “الإرهابيون ” الذين سيقُضون مضجع المحتل مستقبلا؟ رؤية استباقية بعيدة المدى. وبموازاة ذاك العمل العسكري الذي لا يُحسن الجيش المحتل غيره، يُعفى عن صواريخ المقاومة للاستمرار في استهداف إسرائيل دون التصدي لمصدرها إلا بتفعيل القبة الدفاعية المزعومة، لا خلف الله على أمريكا ما أهدرت من دولارات في تمويلها. فيكون المبرر المواتي للقصف الجوي للمدنيين المتواصل على غزة، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا

وحدها الجامعة العربية ظلت تؤمن بـ “مسلسل السلام”. إذا كانت الأقنعة قد سقطت ولا شك منذ زمن طويل، فإن شعوب العالم، الملتهبة بشدة هذا الصراع الاستثنائي، لم تدرك فحوى اللعبة مثلما أدركته مؤخرا. أليست مناهضة التطبيع السياسي مع العدو في الحقيقة رفضا للتطبيع مع ظلم وغطرسة العالم الغربي المهيمن. لم يخطئ متظاهرو العالم الهدف الحقيقي لتحركهم: انتقاد الدولة الصهيونية والتنديد بالتطبيع معها، لكن مع استهداف قنصليات وسفارات الدول الغربية كنقاط تجمع، بل حتى القواعد الأمريكية. ولا تزال الشعارات ضد “أمريكا عدوة الشعوب”، دليلا على أ ن الاحتجاج يستهدف البعد الأعمق للقضية. ثم لم يعُد البسطاء من الشعب وحدهم يرددونه، بل انضم إليهم المثقفون والأطر والفئات الراقية من الشعب كما شهَدتهم ساحات الاحتجاج. أصبحوا يرددونه جهارا، أولئك الذين عليهم دين ثقافي أو منفعي تجاه أمريكا وأوروبا أو مجرد امتنان حضاري لهم. فها هو الضمير يتحرر. هذا التحرر يشاركه اليوم المثقفون مع عموم الشعب، لكن من المؤسف ألا يقاسمه معهم الساسة وقادة الأحزاب والنقابات كما حصل في بعض البلاد العربية، وإلا يكون الحراك المجتمعي قد ارتقى إلى درجة التأثير على القرار السياسي.

لقد تجاوزت المظاهرات الفعل التضامني مع الفلسطينيين إلى إعلان حرب ضد القمع العالمي الذي يتجرعه كل كيس فَطن في العالم الحر (بمعيارنا ال بمعيارهم). يتجرعه في وجدانه كإجهاز على هويته أو ما تبقى منها. ولا يستثني هذا الإجهاز على الهوية والفطرة الشعوب الغربية التي حشدتها القضية نفسها في ربوع العالم. خرجوا يجاهرون بهويتهم كمواطني العالم، حاملين للقيم الإنسانية الحقيقية، متحررين من الاضطهاد العالمي العدواني المتخفي في زي الديمقراطية الكونية التي تسوقها أجهزتهم ليل نهار. فما أسعد أن يلتقي هؤلاء الأحرار معنا في الدفاع عن قضية ظاهرها النصرة القومية للمظلوم، وباطنها الانتصار للمبادئ الفطرية السامية عن كل منفعة أنانية زائلة.

شاهد أيضاً

جمعية قرى الأطفال SOS المغرب تحتفي بذكرى أربعين عامًا من العطاء بأمسية خيرية فنية بالدار البيضاء

تحت شعار “الفن والتضامن”، تنظم جمعية قرى الأطفال SOS المغرب بالتعاون مع جمعية نغم أمسية …