محمد خليفة (*)
لا بأس أن نستشرف ما قد يحدث العام المقبل، يكفي أن نلاحظ ما وقع من أحداث كاشفة على كل المستويات، خاصة المستويين: السياسي والاقتصادي. إن التغيرات السريعة التي حدثت في العام الماضي، تفوق غيرها من التغيرات التي حدثت عبر عقود ماضية عدة. فالعالم كما نعرفه يتغير بشكل كبير، والجغرافيا السياسية آخذة في التغير والتبدل، بشكل متسارع. هذه ليست ملاحظة عابرة؛ بل حقيقة واقعة، فالعالم لم يستقر منذ كارثة كورونا التي زلزلت العالم اقتصادياً، وكما علّمنا التاريخ، إن الذين يدفعون الثمن هم الأبرياء. خاصة في عالم تخلى عن ثنائية القوة وتوازناتها؛ فأضحى عالماً هرماً من الأنظمة، السياسية والاقتصادية، التي يتهاوى بعضها تحت طَرَقات التغيير، وينهار بعضها بفعل عوامل اقتصادية ناجمة عن سياسات كارثية.
ورغم هذه الاضطرابات السياسية والاقتصادية، قد لا تحدث مفاجآت ضخمة في العام الجديد، لأن من يحرك السياسة الدولية، هي الولايات المتحدة التي ستدخل في سُبات انتخابي، وربما تنحصر المنافسة بين الرئيس جو بايدن، وبين المرشح الجمهوري دونالد ترامب، ولا يستبعد أن يحدث شغب انتخابي، خاصة إذا نجح ترامب في تلك الانتخابات، وهو الأمر الأكثر ترجيحاً، لكن ما إن يستقر هذا الأخير في الحكم في مطلع عام 2025 حتى تبدأ مرحلة جديدة من التنافس الهائل بين الولايات المتحدة والصين، لأن ترامب هو الذي جاهر بما تخفيه السياسية الأمريكية في أروقتها، بأن الصين هي العدو الأكبر، وفي ظل تصاعد الصين، سياسياً واقتصادياً، وانفتاحها على العالم من خلال العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مع العديد من دول العالم، في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. فهل تجرؤ الولايات المتحدة التي تعاني اقتصادياً، في كبح جماح التنين الصيني؟
إن الحرب ربما تبقى مستقرة في غزة لأشهر، وهناك توقع بأن تتوسع في الربيع، وتتحول إلى حرب إقليمية سيكون ما بعدها ليس كما قبلها. وقد تكون الانتخابات في تايوان خلال هذا الشهر، مقدمة لإثارة قلاقل في هذه الجزيرة، مع احتمال فوز تحالف حزبي مؤيد للانفتاح على الصين، وتوسيع التعاون الاقتصادي معها. وعلى الجبهة الروسية الأوكرانية سترجح كفة الصراع لمصلحة روسيا، وقد يضطر الجانب الأوكراني إلى طلب هدنة ووقف الحرب، في ظل انسداد الأفق أمامه في تحقيق أي نصر في جبهات القتال، وأيضاً في ظل تراجع الدعم الأمريكي والغربي.
وفي السودان، فإن الجهود قد تنجح في جلب طرفي الصراع إلى التفاوض للتوصل إلى حلول مُرضية لهما. وبالنسبة إلى سلسلة الانقلابات التي حدثت في دول إفريقيا، فإن الوقائع تدل على أنه قد يكون هناك المزيد منها، خاصة بعد مغادرة القوات الفرنسية للدول التي حصلت فيها انقلابات سابقة، وهي: بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر. وقد تتطور الأحداث في أمريكا اللاتينية، وتقع حرب بين فنزويلا وغيانا، بسبب مطالبة فنزويلا بإقليم كبير في هذه الدولة.
وسوف يتواصل نشاط مجموعة «بريكس» في المستقبل، وستبادر المجموعة إلى اتخاذ خطوات متقدمة لتعزيز مبدأ «تعدد الأقطاب في العالم». وبعد خروج دولة أنغولا من تجمع «أوبك»، لاعتراضها على حصص إنتاج النفط التي حددتها لها «أوبك»، قد تشهد السوق النفطية الدولية تقلبات، لأن هذه الدولة قد تعمد إلى زيادة إنتاجها بمئات آلاف البراميل يومياً، وهي قادرة على ذلك، بهدف الحصول على حصة الدول الأخرى في السوق، ما سيترك آثاراً سلبية في دول «أوبك»، وقد يتراجع سعر برميل النفط عن مستوى ثمانين دولاراً، كما هو اليوم، وقد تندفع دول نفطية أخرى إلى مغادرة المجموعة، إن رأت أن مصالحها تقتضي ذلك، وهذا سوف يزيد من تراجع سعر النفط.
غير أن المشهد العالمي العام، قد يكون هو مشهد السلام النسبي الذي قد يعقبه الانفجار الكبير في العام التالي، أو في عام 2026، وسط كل هذه العواصف العاتية والتحديات الضخمة.
(*) إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات.نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.
medkhalifaaa@gmail.com