محمد خليفة (*)
في ظل التطور الكبير في مجال تكنولوجيا الطيران ظهرت أنواع جديدة من الطائرات، الأخفّ وزناً، والأقل سعراً، والأكثر استخداماً. وهي الطائرات المسيّرة، التي أسهمت، بشكل كبير، في تقديم حلول غير مسبوقة لتحديات تقنية وتطبيقية في مجالات إنتاجية عدة، كالصناعة والزراعة، ومجالات خدمية، كالرعاية الصحية والإغاثة الطبية.
ولكن المجال الأكثر استخداماً، والأخطر من حيث الأثر فــــي البشرية دخول تلك الطائرات المسيّرة سباق التسلح بين القوى الكبرى، والرغبة فـــــي امــــتلاك الأسلحة القادرة على تحقـــــيق الغلبة، والتفوق على الخصم، لقــــــد ظهرت الطائرات من دون طيار، كوسيلة فعـــــالة لحسم المعارك على الأرض بأقل خسائر ممكنــــــة فــــي الأرواح والعتاد، وظهر أثر ذلك فـــــي حسم الصراع بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم ناغورنو كاراباخ، وتجلى أكثر في الحرب الدائرة رحـــــاها بين أوكرانيا وروسيا، والتي تم فيها، بشكل غير مسبوق، استخدام تلك المسيّرات من قبل الجهتين المتحاربتين.
ويقول خبراء عسكريون، إن الإنفاق العالمي على الطائرات المسيرة شهد زيادة ضخمة خلال السنوات القليلة الماضية؛ حيث بلغ ما استثمرته تلك الجيوش نحو 98 مليار دولار فـــي هذه التكنولوجيا، ولهذه الطائرات مهام مختلفة؛ من المراقبة الجوية في ما يُعرف بالاستطلاع، إلى الدفاع الصاروخي، إلى المهام الانتحارية، وهي طائرات موجّهة لاسلكياً، ويمكنها أن تطير في أيّ اتجاه، وعلى أي ارتفاع، ويجري تشغيلها والتحكّم فيها عن بُعد، ويمكن إطلاقها من قاذف أرضي، أو من فوق أسطح السفن، أو إسقاطها من طائرات أخرى، ويمكن استعادة بعضها مرة أخرى إلى مكان الإطلاق، أو إلى أي مكان آخر بعد الانتهاء من مهمّتها، وبعضها، وهي الطائرات المفخخة، يجري تفجيره لتدمير الموقع المستهدف.
ورغم قِدم عهد هذه الطائرات من دون طيار، فقد صنعت في بريطانيا والولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الأولى، لكنها لم تُستخدم، وتم استخدامها للمرة الأولى في حرب فيتنام (1955-1975)، حيث استخدمتها الولايات المتحدة في عملياتها على الأرض، ومن وقتها تم تطوير هذا النوع من الطائرات، حتى أصبحت أداة لا غنى عنها في مهام الاستطلاع، وجمع المعلومات، إذ إنها قادرة على توفير صور ذات دقة عالية، ومهاجمة الأهداف، كما تؤدي دوراً حاسماً في الدعم اللوجستي للقوات البرية، ومع الوقت زادت الحاجة إلى هذه الطائرات المسيّرة أكثر من الحاجة إلى الطائرات الحربية الضخمة، لأن صناعتها لا تكلف كثيراً من المال، كما أنها لديها القدرة على المراوغة والتخفي عن الرادارات، لأنها تطير على ارتفاع منخفض، كما تملك أجهزة تشويش على الرادارات، عكس الطائرات الكبيرة التي يتم رصدها عبر الرادارات منذ لحظة انطلاقها، ليتم تدميرها حتى قبل أن تشرع في تنفيذ مهامها، وأيضاً فإن صناعة الطائرات الحربية الكبيرة يكلف الكثير من المال، ككلفة تشغيل، أو صيانة، أو تصنيع، ورغم أن لديها قدرات عالية على التدمير، بسبب ما تحمله من أسلحة وذخائر على متنها، لكن إمكانية رصدها وإسقاطها من قبل الخصم يجعل منها وسيلة غير فعّالة في الحرب الحديثة، بل باتت تحتل المرتبة الثانية بعد الطائرات المسيّرة، والصواريخ التي أثبتت فعاليتها وجدارتها، في كونها وسائل فعالة في الحرب؛ لأنها تصل إلى أهدافها، وتضرب في عمق أرض العدو من دون أن يتم اعتراضها، أو إسقاطها، بل إن المسيرات باتت تتفوق على سلاح المدفعية، لأنها تقوم بالمهام نفسها، وبكلفة أقل.
ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، ركزت الولايات المتحدة جهدها على دعم أوكرانيا بالطائرات المسيرة، لأنها كما تقول «البنتاغون»، تلبي متطلبات الحرب الحديثة، وقد تم تزويد الجيش الأوكراني بطائرة «طائر الفينيق الشبح Phoenix Ghost». ولدى الولايات المتحدة طائرة مسيرة أخرى تدعى Switchblade القديمة التي صنعتها شركة AeroVironment الأمريكية، لاستخدامها من قبل القوات الخاصة الأمريكية في أفغانستان في عام 2012. وهي طائرة كاميكازي، انتحارية، لديها أجهزة استشعار يمكنها اكتشاف الأهداف الناشئة. اعتماداً على حجم الهدف، ووزنه.
أما على الجانب الروسي، فلم تكن روسيا في بداية الحرب تعتمد كثيراً على الطائرات المسيّرة؛ بل على الطيران الحربي، والصواريخ، والمدفعية، لكن في الفترة الأخيرة ضاعفت من اعتمادها على الطائرات المسيرة، وهي تملك طائرة Orlan-10، وهي طائرة استطلاع ومراقبة صغيرة من دون طيار، صنعت في مركز التكنولوجيا الخاصة في سانت بطرسبرغ. وقد نشرت وزارة الدفاع الروسية فيديو يظهر تنفيذ طائرات روسية مسيّرة متعددة الوظائف مهامها في العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. وتناوب طائرات «أورلان-10» المسيّرة، في ظروف الحرب الإلكترونية، وتقوم برحلات استطلاعية إلى عمق تمركز القوات الأوكرانية، والكشف عن مختلف المعدات العسكرية لهذه القوات في شتى مناطق تمركزها.
لكن الخسائر التي تلحقها تلك المسيرات في أرض المعركة دفعت الدول الكبرى إلى تصميم أنظمة مضادة لها، لكن، رغم ذلك، لا تزال أبحاث الأنظمة المضادة للمسيرات قيد البحث والدراسة لدى المراكز العلمية العسكرية، نظراً للسرعات الهائلة في تطوير تلك المسيرات، وتحسينها لتقوم بتنفيذ مهامها على أكمل وجه.