أخبار عاجلة

محمد خليفة يكتب: الدعاوى القضائية والحصانة المطلقة

محمد خليفة (*)

لا جدال في أن أمم الأرض تعيش في لجج القلق والهول وغياب العدالة، في عصر تتداعى فيه القوى النفعية في السياسة، وميكافيلية في الأخلاق، ودموية في التنافس الاقتصادي، والصراع والأنانية في الممارسة السياسية والاقتصادية.

إنها العقلية التي تؤمن بالقوة لا العدل، تؤمن إيماناً جازماً بأن القوة وحدها هي التي تحدد مكان الدول ومكانتها، وتترجم الحق وتعطيه معناه، عندها تسعى الدول إلى بناء القوة التي تمكنها من فرض سيطرتها، مستندة بصورة دائمة على خضم الصراعات والنزاعات العديدة، التي تعانيها الإنسانية، في ظل الحروب السياسية والاقتصادية التي تنتاب العديد من مناطق مختلفة من العالم، مستندة إلى غطاء أيديولوجي، في غالب الأحيان، من دون ضوابط أو أسس، بهدف إدارة الصراعات الاقتصادية، في إطار سعيها إلى تحقيق غايتها. وبذلك تقفز فوق قوانين التطور وطبعه ومتطلباته، داخل إطار النظام العالمي القائم، المتمحور حول القوة العسكرية والمادية والسيطرة على الأحداث، وتسخير قوة القانون، وأحياناً قانون القوة، على مدّ الظروف وجزرها مع تيارات الزمان والأحداث في البنى الاجتماعية، وفي الأنظمة السياسية والقوى العسكرية ومراكز القرار.

في إطار ذلك يمكن أن نتفهم ما قام به مركز الحقوق الدستورية في الولايات المتحدة الذي قام برفع دعوى قضائية ضد الرئيس الأمريكي جو بايدن بتهمة تقديمه دعماً غير مشروط لإسرائيل في حربها ضد قطاع غزة، وقد تم رفع هذه الدعوى نيابة عن منظمات قانونية ومواطنين أمريكيين، بموجب القوانين والأعراف الدولية، وذلك حسب وثيقة الاتهام. والواقع أن تلك الدعوى لا تعدو أن تكون مجرد إعلان عن موقف من قبل الجهات التي تقدمت بها، أو ممارسة نوع من الضغط الأخلاقي؛ لأن الشخص المتهم فيها يمثل الدولة الأمريكية، حيث يتمتع رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة بحصانة، لكنها ليست مطلقة، لكن الإجراءات معقدة، حيث تنص المادة الثانية في القسم الرابع منها على أنه يُعزل الرئيس ونائب الرئيس وجميع الموظفين المدنيين، ويوضح الدستور الأمريكي كذلك كيف يمكن للكونغرس عزل الرئيس من منصبه بسبب ارتكاب «جرائم كبرى وجنح» باستخدام عملية المساءلة.

لكن الدستور لم يذكر ما إذا كان من الممكن أن يواجه الرئيس محاكمة جنائية في المحكمة، ولم تتناول المحكمة العليا في الولايات المتحدة هذه المسألة بشكل مباشر. فالرئيس وإدارته ينفذون السياسة العامة للدولة التي تقررها الجهات الدستورية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، وموقف الرئيس جو بايدن المساند لإسرائيل، لا يختلف عن سابقيه من الزعماء، ما ينسجم مع الموقف العام للولايات المتحدة، التي كانت ولا تزال الداعم الرئيسي لإسرائيل في العالم. وقد تطورت العلاقات الثنائية من سياسة أمريكية أولية تقوم على التعاطف والدعم لإنشاء وطن لليهود في فلسطين عام 1948، إلى شراكة تربط دولة إسرائيل مع الولايات المتحدة التي كانت تريد موازنة النفوذ مع المصالح المتنافسة الأخرى في المنطقة. وبالتحديد تلك الخاصة بالاتحاد السوفييتي السابق وحلفائه.

وتصنّف إسرائيل من قبل الولايات المتحدة كحليف رئيسي من خارج الناتو، وتعتبر العلاقات معها عاملاً مهماً جداً في السياسة الخارجية الشاملة للحكومة الأمريكية في الشرق الأوسط. وتعد إسرائيل أكبر متلقٍ للمساعدات الخارجية الأمريكية، فحتى العام الماضي، قدمت الولايات المتحدة لها 150 مليار دولار أمريكي، وإضافة إلى المساعدات المالية والعسكرية، تقدم الولايات المتحدة لها أيضاً دعماً سياسياً واسع النطاق، حيث استخدمت حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 42 مرة ضد قرارات تدين إسرائيل.

والواقع أن إسرائيل هي ركيزة أساسية في استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة، وضعفها يعني سقوط تلك الاستراتيجية، وإسرائيل بمنزلة حاملة طائرات أمريكية متقدمة في وسط هذه المنطقة التي هي قلب العالم. ولذلك فإن الولايات المتحدة ستعمل بكل طاقتها للحفاظ على وجود هذه الدولة واستمرارها، وهي مستعدة لخوض حرب إقليمية وعالمية لكي تبقيها على خريطة المنطقة.

إن المشهد السياسي العسكري والاقتصادي للعالم في الحقبة الراهنة مفتوح على الكثير من الاحتمالات والتوقعات؛ فالعنف البشري في الحياة لا يمكن مقابلته بالعنف، لأن هذا يدخل الجميع في أتون العنف ومتوالياته الخطرة، فالقتل يولد الكره ويغرس بذور الانتقام، إذ يظل الكره رماداً ينتظر ريحاً تؤججه، ومن يقرأ تاريخ الأمم والشعوب يرى آثار الكراهية ماثلة في ملايين القتلى والجرحى الذين خلفتهم تلك الكراهية المتأصلة في نفوس مشبعة بجنون العظمة.

إن قراءة التاريخ أمانة، والاتعاظ من دروسه حكمة، والبناء على دروسه رؤية، والأوطان المستقرة يبنيها القادة أصحاب الرؤى.. فهل نتعظ من دروس التاريخ؟

 

(*) إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات.

نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ.

وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية،

وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

 

شاهد أيضاً

محمد خليفة يكتب: فرنسا.. والتحولات السياسية

محمد خليفة (*) دخلت فرنسا في مسار تغيير عميق بعد الانتخابات الأخيرة البرلمانية، التي جرت …