Breaking News

أرشيف: حوار حصري مع البروفيسور محمد يونس رئيس وزراء بنغلادش الجديد

٦البروفيسور محمد يونس، مؤسس بنك الفقراء (نال جائزة نوبل بفضل ذلك)، والمنظر الاقتصادي ل”الرأسمالية الاجتماعية” social capitalism اختاره الثوار في بنغلادش رئيسا للحكومة الانتقالية…

كنا التقينا به في زيارته الأخيرة للمغرب، وأجرينا معه حوارا .

كان ذلك يوم الخميس 02 نونبر من سنة 2017، حينما شارك، في أول زيارة له إلى المغرب، في فعاليات النسخة الثالثة للقاءات “المسؤولية والأداء”، التي نظمت بمدينة الدار البيضاء تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
ونظرا لأهمية هذا الحوار ولقيمة الضيف المحاوَر، مؤسس “بنك الفقراء العالمي”، والرائد في مجال القروض الصغرى ومؤسس فكرة الأعمال التجارية والاجتماعية، وأيضا، المعروف بتبنيه لنموذج مقاولاتي مستدام وخلاق لقيمة اجتماعية مضافة في إطار ما يصطلح عليه بـ”الأعمال التجارية الاجتماعية”، الذي أصبح رئيس الحكومة في بنغلادش، فقد ارتأينا إعادة نشره على موقع “المستقبل24”. وفيما يلي نص الحوار كاملا:

حاوره حمو جديوي (*)

شركات غير ربحية لحل مشاكل الفقراء

قرأت كثيرا عن محمد يونس وقرأت له كتابه الأول “الأعمال التجارية الاجتماعية، نحو مفهوم جديد للرأسمالية”، وأعجبت بالرجل وبما حققه. لما حل بالمغرب في الشهر الماضي كنت متلهفا للقائه. وكان كما تخيلته: رجل بسيط بلباسه الوطني البغالي، دائم الابتسامة وذو كاريزما عجيبة. الرجل يحمل قضية كبيرة: محاربة الفقر وصاحب نظرية اقتصادية خاصة: الأعمال التجارية الاجتماعية. ويتحدث بحماس كبير عن قضيته ويسترسل في ذلك بعفوية ويقين يتركان أثرهما على من يخاطبه, في هذا الحوار الحصري، يحدثنا عن تجربته في إنشاء شركات من أجل الفقراء لا من أجل كسب المال و خلال حديثه، ينبه الأكاديميين إلى جدوى الدراسات التي لا تحل مشاكل بلدانهم، ويحاكم الرأسماليين الأنانيين الذين حسب وصفه “اهتموا بكسب المال دون مراعاة مسؤوليتهم اتجاه الآخرين واتجاه العالم.

جريدة المستقبل24 (**): أعجبت كثيرا بما كتبته في كتابك الأول: أنت تدرس الأمور الاقتصادية النظرية في الجامعة بينما في الشارع يستمر الناس الفقراء في معاناتهم. هل يمكن أن تفسر هذه المعضلة للأكاديميين؟

محمد يونس (*): حسنا، أنا كنت أرى الواقع بجوار الجامعة وقريبا من الأساتذة الذين لا يستطيعون استخدام دراساتهم لحل المشكلة. لذلك ما ندرسه هو غير قابل للاستخدام لتحسين حياة الناس وتلبية احتياجاتهم. بدأت أشعر كأني شخص عديم الفائدة: ما تعلمت وما أدرسه للطلبة لا ينفع فقراء بلدي! ويواصلون المعاناة. لذلك لا أستطيع الاستمرار في استخدام هذه النظرية الاقتصادية، فإنها بدون جدوى بالنسبة لي. لذا قررت أن أتعلم من نفسي ما يجب القيام به، وبدأت في ذلك، لم يكن همي اقتصاديا ولكن كان أن أجعل نفسي في خدمة هؤلاء الناس ومساعدتهم. في هذا المسار، تعلمت الكثير واشتغلت دون أن أدرك أنني بصدد إبداع شيء لم يكن موجودا في ذلك الوقت، وقلت “هذه هي الطريقة التي يمكنني بها حل مشكلة الفقراء، لماذا لا أبدأ في القيام بذلك بنفسي؟”. وهكذا تحررت من الكتب التي درست! اشتغلت انطلاقا من الواقع لإيجاد حلول عملية.

(**): هذا يحيلنا على سؤالي الثاني: أنت تقول: “من أجل حل مشكلة، أنشئ شركة!”. كيف يمكنك تفسير هذه الآلية؟

(*): الآلية هي …عفوا أولا لنتجاهل الأعمال التجارية في البداية، ولنطرح السؤال عن موضوع الفقر بشكل عام: كيف يمكنك حل هذا؟ عادة، يلجأ الناس إلى البر والإحسان: الصدقة! وهذا يعني: إذا كنت فقيرا، أنا أعطيك المال. إذا كنت بحاجة إلى الرعاية الصحية، أنا أوفر لك الرعاية الصحية المجانية، لأنك لا تستطيع أن تؤدي النفقات، أنا أؤدي عنك. وهكذا تتصرف الحكومات والعديد من المنظمات الخيرية ! “إعطاء مال أو خدمة بالمجان””.

قلت في نفسي، إذا أعطيتهم مجانا، سوف يسبب ذلك مشكلتين. الأولى: إذا استخدمت المال للصدقة أو عمل آخر من أعمال البر، سوف تحتاج المزيد من المال للقيام بذلك مرارا وتكرارا. أقدم لك الرعاية الصحية أوفر الأدوية وأدفع أتعاب الأطباء المعينين، ثم في ظرف سنة واحدة، علي أن أبحث عن المال مجددا. هذه مهمة كبيرة أن تجمع التبرعات والعطايا كل عام! المشكلة الثانية أن هذا يتضمن جانبا من عدم اليقين: أنا لا أعرف ماذا عن العام المقبل لأنه ليس لدي بعد أي وعد لنيل تبرعات. لتجنب حالة عدم اليقين هذه، لماذا لا أنشئ الأعمال التجارية، حتى أقدم الأدوية وخدمات الرعاية الصحية، وأن أجعلها رخيصة جدا بحيث يمكن للفقراء أن تتحملها، وأنا أحصل على المال ثم أستخدمه مرة أخرى في مشروع يشتغل فيه الفقراء! هكذا أكون قد تفاديت حالة الشك ويمكن للمشروع أن يدور من تلقاء نفسه. لذلك جعلت كل شركة “مؤسسة مستديمة بذاتها”، وأعتقد أن هذا المبدأ قوي جدا. لاحظ أن في الأعمال الخيرية المال يخرج، لا يعمل ولا يعود، بينما في الشركات الاجتماعية، المال يخرج، يتم توظيفه لكي يعمل ثم يعود. ثم إن المبدأ رائع جدا لأنه يمكنك استخدام نفس المال بدون حد زمني! لذلك قلت لنفسي هذه وسيلة جيدة وفعالة وهذا ما بدأت القيام به. في ذلك الوقت، لم يكن لذلك اسم، ببساطة أردت أن أفعل شيئا لحل المشكلة وليس لكسب المال لنفسي، وهذا لم يكن نيتي أبدا. كل ما أردت القيام به هو استرجاع المال حتى نتمكن من استخدامه مرة أخرى.

(**): طيب، ولكن الأغنياء يريدون المال لأنفسهم بينما أنت تتحدث عن تقاسم الثروة. كيف يمكنك أن تحقق ذلك؟

(*): قلت: إنها ليست مشكلة الأغنياء، بل هي مشكلة النظرية.

(**): عفوا؟

(*): إنها مشكلة نظرية الاقتصاد. في النظرية الاقتصادية، يقولون: “تنشئ الأعمال لكسب المال لنفسك”. من الناحية النظرية الرأسمالية يقال أيضا: “العالم كله تديره الأنانية و المصلحة الذاتية”. وهكذا تتعلم أن تسعى فقط لكسب المال وإلا لا حاجة لك بالقيام بأعمال تجارية. النظرية تقول: “أفضل شيء تحققه في الأعمال هو كسب المال”، وتقول أيضا “كلما كسبت المزيد من المال، تتمكن من حل المشاكل بالنسبة للناس”. ولكن بدلا من ذلك، نرى بأعيننا أن ذلك، على العكس تماما، يسبب المزيد من المشاكل! لذلك قلت: “إذا كنت سوف أتسبب في خلق مشاكل بالأعمال التجارية، لماذا يجب أن أفعل ذلك بهذه الطريقة أصلا؟”. وهذا ما جعلني أفكر بنحو مخالف: “لست بحاجة إلى المال، كل ما أحتاج إليه هو الحفاظ على الاستدامة”. حتى أنه في وقت لاحق، طبقنا نفس المبدأ لما كبرت الأمور. إذن ما قمنا به أعمال تجارية وبعقلية الأعمال العادية حتى و لو لم تكن من أجل كسب المال. الأكاديميون يرفضون أن يقبلوا هذا وأن يعتبروا هذه أعمالا حرة، لأن بالنسبة لهم، الأعمال التجارية هي ابتداء وانتهاء من أجل كسب المال. فكرت، هل ما قمنا به يحتاج إلى قانون؟ هل يعاقبوني ويضعوني في السجن إذا لم أكن أكتسب المال من أعمالي؟ لا يوجد قانون يمنع، هذه هي رغبتي، وهذه نيتي، أستطيع أن أفعل ما أراه صوابا ورشدا. لذلك تحديتهم. ومن أجل إضفاء الشرعية، أعطيته اسما: سميت الأعمال “شركة اجتماعية” وتعرف بأنها “شركة غير ربحية لحل المشاكل”! لقد بدأت القيام بتأسيس الشركات الواحدة تلو الأخرى. أنشأنا العديد من الشركات، بعضها على مستوى وطني، وبعضها شركات كبيرة جدا، لأن المبدأ مناسب أيضا للشركات الكبرى. ثم، أصبح الآخرون مهتمين: “نعم، يبدو أن هذا المبدأ يعمل!”. ثم كتبت الكتاب، وقرأه الناس وفهموا المنطق الذي يتحدث به. ثم أصبح العديد من الآخرين مهتمين من الخارج. جاء العديد عندنا بما في ذلك بعض الشركات الكبرى التي أعجبت بنموذجنا الاقتصادي المتمثل في “شركات مشروعة وممتعة” وسألونا عن السر وكنت أقول لهم: “هذا هو السبب: أنتم تركزون فقط على كسب المال وتتجاهلون المشاكل التي تتسببون فيها جراء أعمالكم!”. لقد دعوناهم إلى إنشاء أعمال منفصلة (اجتماعية) لضبط هذه المشاكل والتعلم منها ما يمكن أن يفيدهم حتى في أعمالهم وشركاتهم الربحية لجعلها مسؤولة. لا يمكنكم تدمير العالم من خلال خلق انبعاثات الكربون من مصانعكم، لا يمكنكم أن تفعلوا ذلك! انظروا أيضا إلى النفايات: كمية هائلة من الهدر للثروات بسبب عدم العناية بقضية الاستدامة. وماذا عن البلاستيك؟ العالم أصبح يغرق في نفايات البلاستيك السامة. كل عام نلقي ب 8 ملايين طن من نفايات البلاستيك في البحر وأصبحت المحيطات مليئة بالبلاستيك لدرجة أخشى ألا نجد في المستقبل مياه آمنة للملاحة بسبب هذا, وكل هذه الكوارث لأنكم لا تتحلون بالمسؤولية وأنتم تكسبون المال.

هذه رسالتي التي أضعها في قارورة مغلقة وألقي بها في البحر.

(*) مدير جريدة “المستقبل” الورقية وموقع “المستقبل24”

 

Check Also

كارثة بإسبانيا: ارتفاع عدد ضحايا الفيضانات في فالنسيا إلى 51 كشف عن مأساة إنسانية في مواجهة الطبيعة القاسية

عانت منطقة فالنسيا في إسبانيا من فيضانات مدمرة نتيجة الأمطار الغزيرة، حيث أعلنت فرق الطوارئ …