الأستاذ عبد اللطيف أيت بوجبير (*)
II. دور القضاء الإداري في ممارسة رقابة على سلطة العزل
يمارس القضاء الإداري رقابة على سلطة الإحالة من حيث صحة الوقائع، والتكييف القانوني لها، ومدى ملاءمتها مع الجزاء المطلوب. ويتأكد من صحة الوقائع وتكييفها القانوني، وكذلك من التناسب بين الوقائع والجزاء المطلوب، مع التأكد من وجود خرق خطير للقوانين، ثابت بما فيه الكفاية، ويضر بمصالح الجماعة ضررًا محققًا.
1. رقابة القضاء الإداري على سلطة الإحالة من حيث صحة الوقائع، والتكييف القانوني لها، ومدى ملاءمتها مع الجزاء المطلوب:
لقد كان المشرع حكيمًا عندما جعل سلطة العزل خاضعة لرقابة القضاء، حتى يتمكن من مراقبة الوسائل والأسباب المستند إليها، وتمحيصها وتقييمها، وكذلك مراقبة مدى ثبوتها. كما أن القضاء يراقب مدى التناسب بين الوقائع والجزاء المطلوب. وذلك لأن سلطة العزل ليست سلطة مطلقة، وإلا تحولت إلى مفسدة مطلقة.
لذلك، فإن إحالة منتخب على المحكمة الإدارية تكون خاضعة لرقابة هذه المحكمة، سواء من حيث صحة الوقائع التي تستند إليها سلطة الإحالة، أو من حيث التكييف القانوني الذي أصبغت به، أو من حيث مدى التناسب بين الوقائع والجزاء المطلوب، وهو العزل.
إن المشرع كان حكيما عندما جعل سلطة العزل تحت رقابة القضاء، حتى يتمكن من مراقبة الوسائل والأسباب المستند إليها وتمحيصها وتقييمها، ومراقبة مدى ثبوتها، وكذا تقييم مدى التناسب بينها وبين الجزاء المطلوب، لأنها ليست سلطة مطلقة، وإلا تحولت إلى مفسدة مطلقة.
لذلك فإحالة منتخب على المحكمة الإدارية خاضع لرقابة هذه المحكمة، سواء من حيث صحة الوقائع التي تستند إليها سلطة الإحالة أو من حيث التكييف القانوني الذي أصبغت به أو من حيث مدى التناسب بين الوقائع وبين الجزاء المطلوب هو العزل.
2. ممارسة القضاء الإداري لسلطته في التأكد من صحة الوقائع وتكييفها القانوني:
إن طلب العزل لا يجب أن يكون مرتكزا على شكايات كيدية، أو متسمة بالتدليس، أو تنسب للعارض أفعال هو بريء منها، غايتها ردعه عن القيام بواجبه، وإزاحته من المجلس.
ولذلك فإن اختيار سلطة الإحالة اللجوء إلى تكييف شكايات كيدية مفتقرة للإثبات والمصداقية، في إطار المادة 64 هو انحراف في ممارسة السلطة على مستوى التكييف، وتحريف واضح للقانون، ورغبة في الانتقام من المنتخب موضوع طلب العزل وردعه، عن القيام بواجبه على أكمل وجه، وهو المحق.
3. التناسب بين الوقائع وبين الجزاء المطلوب:
إن السلطة التقديرية المخولة للإدارة في الإحالة، سواء كانت في عدم الإحالة أو في الإحالة العادية أو الاستعجالية، أو بناءً على الفصل 64 أو الفصل 274، قد تؤدي إلى غلو يتهدد حقوق المنتخبين في غياب رقابة قضائية. وهذه الرقابة القضائية مهمتها هي إعادة هذا الغلو إلى رشده وإلزامه بجادة الصواب.
لذلك، فإن الرقابة القضائية لا تقتصر على التأكد من صحة الوقائع أو صحة التكييف القانوني لهذه الوقائع، بل تمتد أيضًا إلى التحقق من مدى التناسب بين الوقائع المدعى بها والجزاء المطلوب، وذلك لمواجهة إسراف سلطات الإحالة، ممثلة في بعض الولاة والعمال، في ممارسة هذه السلطة بشكل متعسف أو عبر سوء تقدير الجزاءات المناسبة.
فمن غير المعقول ولا المقبول أن يعمد والٍ أو عامل إلى عزل منتخب فقط استنادًا إلى وجود شكايات، أو بالأحرى وشايات من جهات لا صفة لها، ولا وجود لها، وأخرى كيدية.
وفي هذا السياق قضت المحكمة الإدارية في مصر في قرارها بتاريخ 11 نونبر 1961: “لئن كانت للسلطة التأديبية ومن بينها المحاكم التأديبية سلطة تقدير خطورة الدنب الإداري وما يناسبه من إجراء إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة شأنها شأن أية سلطة تقديرية أخرى -ألا يشوب استعمالها غلو- ومن الغلو عدم الملاءمة الظاهرة بين درجة خطورة الدنب الإداري وبين الجزاء ومقداره…”.
4. شرط وجود خرق خطير للقوانين، ثابت بما فيه الكفاية، ومضر بمصالح الجماعة ضررًا محققًا:
لعل شرط وجود خرق خطير للقوانين، ثابت ثبوتا كافيا، ومضر بمصالح الجماعة ضررا محققا كشرط طالما استحضره العمل القضائي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، بتاريخ 02 مارس 2010، قضية عمدة جماعة HENINBEAMONT، السيد DALONGEVILLE، التي بت فيها مجلس الدولة الفرنسي معتبرا:
أن “العمدة مس بشكل خطير بمصالح الجماعة بسبب إصراره على عدم الاستجابة لسنوات متوالية لتوصيات المجلس الجهوي للحسابات فيما يتعلق بتسيير الأملاك الجماعية وتدبير الميزانية ولوالي الجهة فقد اكتشف المجلس الجهوي للحسابات عقب تدقيق مالي عجزا حادا في حسابات الجماعة وأوصى بمخطط للتسوية لم يطبقه العمدة مما أدى إلى تدهور الوضعية المالية للجماعة إلى حد عجزها عن ضمان أداء نفقاتها الأساسية وتسديد ديونها، واعتبر مجلس الدولة ذلك خطأ جسيما ماسا بمصالح الجماعة ومبررا لقرار العزل”.
وفي قرار أخر لمجلس الدولة الفرنسي مؤرخ في 12 يونيو 1987 قضية CHALVET، “الوقائع الخارجة عن الوظيفة التي تبرر جزاء العزل يجب أن تكون من الخطورة بما كان كما هو الحال بالنسبة لغدان عمدة من أجل هتك عرض بمقتضى قرار قضائي نهائي”.
وفي قرار آخر لمجلس الدولة الفرنسي مؤرخ في 22 يونيو 1978، المتعلق بعمدة جماعة Saint Martin Guadaloupe رفض من خلاله مجلس الدولة الفرنسي إلغاء قرار عزل عمدة بالنظر إلى “خطورة الأفعال المرتكبة من طرفه والتي من بينها تزوير سجل مداولات المجلس البلدي”.
أما قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر بتاريخ 12 مارس 1969 والمتعلق بعمدة جماعة GASTINS، والذي طلب فيه والي “سين إميرون” عزل العمدة بدعوى ارتكابه تقصيرا واختلالات عند تطبيق التشريع المتعلق برخص البناء فقد اعتبر مجلس الدولة أن: “ملف القضية خال مما يثبت الاختلالات المنسوبة للطالب، وأنه ليس من شأنها العزل، الذي لا يمكن أن يكون مؤسسا إلا بعد إثبات جميع الاختلالات المنسوبة للطاعن إثباتا كافيا ويقينيا”.
وبالتالي يكون غياب الإثبات للوقائع وللضرر، وغياب وقائع تكتسي خطورة استثنائية، مبررا كافيا لتقول المحكمة الإدارية برفض الطلب.
5. إمكانية تفنيد ودحض مؤاخذات سلطة الإحالة بوسائل قانونية مقبولة ومعتمدة:
إن المحكمة الإدارية، التي يعرض أمامها طلب العزل، ملزمة بالتحقق من المبررات والأسباب التي استند إليها هذا الطلب.
فإذا كانت الدوافع سياسوية ضيقة الهدف منها النيل من شخص المنتخب وكرامته، والتأثير عليه لثنيه عن أداء واجبه ومهامه في ممارسة الشأن العام المحلي، مثل مؤاخذته على حضور أشغال بعض اللجان دون صفة، في حين أن القانون لا يمنعه من ذلك، فإن ذلك يُعد مبررًا كافيًا لرفض طلب العزل.
فمقتضيات النظام الداخلي غالبا ما تنص على الإمكانية والحق “لكل عضو بالمجلس الجماعي في حضور جلسات اللجان وإن لم يكن عضوا بها، وله أن يبدي آراءه بصفة استشارية بعد استئذان رئيس اللجنة ودون أن يكون له الحق في التصويت”.
نعتقد أن المشكلة قد لا تكون بالضرورة مرتبطة بسوء النية أو بالفساد الذي يتوجب محاربته، بقدر ما قد تكون متعلقة بسوء التدبير الناتج عن ضعف التكوين. فالأحزاب السياسية والمشرع يتحملان مسؤولية كبيرة في هذا الأمر، حيث أن معظمها عارض بشدة اشتراط حد أدنى من التكوين للترشح في الانتخابات.
فمن غير المعقول أن نشترط حدًا أدنى من التكوين في جميع المهن والوظائف، باستثناء تمثيل المواطنين وتسيير الجماعات المحلية، التي تبقى متاحة لأي كان بغض النظر عن مستواه الدراسي. فلا يعقل تمكين مواطنين دون مستوى دراسي من تسيير جماعة محلية، بما في ذلك ماليتها ومواردها البشرية وعقودها وغيرها من الالتزامات التي تقع على عاتق المنتخب.
(*) محام بهيئة المحامين بالدار البيضاء