أمين سامي (*)
إن المنظومة الأسرية تعبر عن نظام ديناميكي يربط الأسرة بمحيطها الداخلي والخارجي. وتشمل هذه المنظومة العلاقات التفاعلية بين أفراد الأسرة وتأثيراتهم المتبادلة مع البيئة الاجتماعية، الثقافية، والاقتصادية. وبالتالي فالمنظومة الأسرية تهتم بالنظام الشامل للأسرة ككل، بما في ذلك الأدوار، والقواعد، والأنماط السلوكية، والعلاقات داخل الأسرة ومع المجتمع.
حيث تنظر هذه المنظومة إلى الأسرة كوحدة ضمن شبكة أكبر تتفاعل مع مؤسسات أخرى مثل المدرسة، المجتمع المحلي، والاقتصاد.
إن الأسرة هي المكون الأساسي للأفراد والعلاقات المباشرة داخلها، بينما المنظومة الأسرية تمثل النظرة الشمولية لهذه العلاقات وتأثيرها المتبادل مع المحيط الاجتماعي والثقافي.
فالأسرة، باعتبارها النواة الأساسية للمجتمع، تأثرت بشدة بالتحولات الناتجة عن تكنولوجيا القطيعة، وهي تحولات لا تقتصر على الجوانب التقنية بل تمتد لتعيد تشكيل القيم، الأدوار، والعلاقات داخل الأسرة. وبالتالي يمكن تحليل هذا التأثير بشكل نسقي من خلال ثلاثة مستويات مترابطة:
1. الأنساق الداخلية للأسرة (العلاقات والأدوار داخل الأسرة).
2. التفاعل بين الأسرة والمجتمع (التأثيرات المتبادلة بين الأسرة والمجتمع الخارجي).
3. تأثير التكنولوجيا كمتغير خارجي (كيف غيّرت التكنولوجيا البيئة التي تعمل فيها الأسرة).
1. فعلى مستوى الأنساق الداخلية للأسرة، عرف تغير الأدوار التقليدية، خاصة دور الأبوين، حيث أصبحت التكنولوجيا مصدرًا أساسيًا للمعلومات التي يتلقاها الأطفال، مما قلل من دور الآباء كمصدر وحيد للتربية والتوجيه. كما عرف ظهور “الأبوين الرقميين” الذين يعتمدون على التطبيقات والتكنولوجيا لإدارة شؤون الأطفال (مثل التعليم الرقمي، المراقبة الإلكترونية).
أما على مستوى دور الأبناء، فقد تطور دور الأبناء ليصبحوا خبراء التكنولوجيا داخل الأسرة، مما أضاف لهم سلطة غير تقليدية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالتكنولوجيا.
كما ساهم تراجع التواصل المباشر بين الآباء والأبناء في تعميق الهوة العاطفية، حيث ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية من تقلّيل الحوار المباشر داخل الأسرة، مما أدى إلى ضعف الروابط العاطفية.
كما أصبحت الأنشطة العائلية التقليدية مثل تناول الوجبات معًا تُستبدل بالأنشطة الفردية عبر الأجهزة.
وبالتالي هذا أدى الى صراع الأجيال وتصادم القيم، فالجيل الجديد يتبنى قيمًا فردانية متأثرة بالعولمة الرقمية، مما يؤدي إلى تصادم مع القيم التقليدية التي يحاول الأهل غرسها.
2. التفاعل بين الأسرة والمجتمع، حيث عرف انتقال القيم عبر التكنولوجيا، هذه الأخيرة جعلت الأسرة مفتوحة على القيم العالمية، حيث يتعرض أفرادها لقيم تختلف عن قيمهم المحلية و الثقافية، مما يخلق صراعًا داخليًا، وأمام هذا الوضع أصبحت الأسرة تواجه تحديًا في الحفاظ على الهوية الثقافية أمام العولمة الرقمية.
كما عرف مفهوم الأسرة نقاشا حول إعادة تعريف الأسرة كمنظومة، فمفهوم الأسرة التقليدية (النووية أو الممتدة) بدأ يتغير، وبدأت تدخل مفاهيم جديدة نتيجة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتطور منظومة حقوق الإنسان، وبروز العولمة وتأثيراتها، أصبح اليوم النقاش يدور حول إعادة تعريف الأسرة كمنظومة، ليشمل أسرًا ذات تكوينات جديدة، مثل الأسر أحادية الوالد أو الأسر المتعددة الثقافات.
فالتكنولوجيا وفّرت منصات لظهور علاقات جديدة (مثل الزواج عبر الإنترنت) التي تختلف عن النماذج التقليدية للزواج.
(*) خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير للشركات والمؤسسات والاستراتيجيات التنموية