أمين سامي (*)
كما أن للتأثير الاقتصادي دور كبير على إعادة تعريف وتشكيل الأسرة المستقبلية، فمؤخرا أصبح الاعتماد الكبير للأسرة على الأجهزة الذكية والاشتراكات الرقمية سببا في زيادة الأعباء المالية، ففرص العمل عن بُعد والتجارة الإلكترونية وفرت بدائل دخل جديدة للأسرة، لكن بالمقابل ساهمت بشكل كبير في تفكك الأدوار التقليدية للعمل داخل الأسرة.
كما أدت التكنولوجيا كمتغير خارجي، في مساعدة الأسرة على إدارة حياتها بشكل أفضل، حيث أضحت التكنولوجيا كأداة للتمكين، حيث ساهمت هذه الأخيرة على تطوير حياة المنظومة الأسرية بشكل كفء، من خلال استخدام الأجهزة الذكية لإدارة الوقت والتسوق والتعليم. وبالتالي سهّلت التكنولوجيا التواصل بين أفراد الأسرة الممتدة في أماكن جغرافية مختلفة.
بالمقابل تعتبر التكنولوجيا كمصدر للاضطراب، حيث يعتبر الإدمان التكنولوجي، من أخطر الأمراض التكنولوجية التي يصاب بها الفرد، من خلال استخدام الأبناء والأهل للتكنولوجيا بشكل مفرط مما أدى إلى ضعف الروابط العائلية وظهور مشكلات مثل العزلة الاجتماعية.
فبالاضافة الى الادمان التكنولوجي، تعتبر الخصوصية من أهم التحديات التي يواجهها الفرد، فمع التطور التكنولوجي والصبيب العالي للانترنيت، انكشفت الحياة العائلية على الإنترنت، وبالتالي هذا زاد من مخاطر اختراق الخصوصية والتعرض للتنمر أو الابتزاز.
وأخيرا التكنولوجيا كمعيار جديد، حيث أصبحت التكنولوجيا معيارًا لتقييم نجاح الأسرة (الأسرة المتطورة تقنيًا)، وبالتالي هذا أضاف ضغطًا جديدًا على الأسر الأقل قدرة على مواكبة التقدم التكنولوجي.
إن التحليل النسقي للعلاقات، يجب أن تتم قراءته وتحليله من خلال الترابط بين الأنساق الثلاث، من خلال :
الأنساق الداخلية للأسرة هذا أولا، وثانيا من خلال التفاعل بين الأسرة والمجتمع، وثالثا من خلال تأثير التكنولوجيا كمتغير خارجي على الأسرة.
إن ضعف التواصل داخل الأسرة يؤدي إلى فقدان تأثير الأسرة على القيم التي يتبناها الأبناء، مما يترك المجال للمجتمع والتكنولوجيا لفرض قيم جديدة. فالتغيرات في القيم العائلية تنعكس على علاقة الأسرة بالمجتمع، مثل زيادة الطلاق أو تغير دور المرأة في الأسرة.
كما أن تأثير الدور المهيمن للتكنولوجيا، حيث أصبحت “نسقًا مهيمنًا” يؤثر على كل الأنساق الأخرى (العاطفية، الثقافية، الاقتصادية)، مما جعل الأسرة في حالة دفاع مستمر عن استقرارها.
وبالتالي فالأدوار الجديدة للأسرة، تحتاج للربط، فهذه الأخيرة مدعوة للتحديث وتحتاج إلى تطوير أدوار جديدة تربط بين القيم التقليدية والحديثة لتكون قادرة على البقاء وسط هذا التغيير السريع المتسارع.
إن تكنولوجيا القطيعة أحدثت قطيعة نسقية في مفهوم الأسرة من خلال إعادة تشكيل الأدوار والقيم والعلاقات. وبالتالي فالأسرة بحاجة ماسة إلى التكيف مع هذه التغيرات من خلال تعزيز الحوار الداخلي، والاستفادة من التكنولوجيا كأداة تمكين، والعمل على التوازن بين الحفاظ على الهوية الثقافية ومواكبة العصر الرقمي. إن هذا التحليل النسقي يبرز أن الأسرة ليست فقط متأثرة بهذه التغيرات بل هي أيضًا فاعل يمكنه التأثير على كيفية استيعاب هذه التكنولوجيا ضمن إطارها الخاص.
(*) خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير للشركات والمؤسسات والاستراتيجيات التنموية