ارتبط اسم الصحافي الإنجليزي المشهور بالعيساوي (مروض الأفاعي) بكثير من أحداث المغرب ومنها حرب الريف، كما تناول تاريخ السلاطين المغاربة (الحسن الأول ومولاي عزيز وعبد الحفيظ) في كتابه الذائع الصيت المغرب الذي كان والذي نقله للغة العربية الأستاذ حسن الزكري وصدر عن دار سليكي إخوان.
وقد صدر مؤخرا (فبراير 2025) كتابا مهما لهاريس وهو كتاب “أرض سلطان إفريقي”: رحلات في بلاد المغرب، وقد دَوَّن فيه ارتساماته حول المغرب والمغاربة وأخبار رحلاته وجولاته في ربوع البلد، كما كان مراسلا لصحيفة التايمز في المغرب.
يتناول هاريس في أرض سلطان إفريقي رحلاته في أواخر القرن التاسع عشر، ويُدون فيه أسفاره عبر المدن والقرى التي زارها، ويقدم وصفاً مفصلاً لطبائع الناس وخصائصهم، وللبلاط المغربي في ذلك العهد، وللمراسم السلطانية، وللعلاقة المعقدة بين القوى القبلية والسياسية. كما يستكشف الكتاب الأعراف والتقاليد والحياة اليومية المغربية، ويقدم نظرة شاملة عن المجتمع المغربي في ذلك الحين.
وتدور وقائع الكتاب خلال فترة حكم السلطان الحسن الأول، التي اتسمت بكثرة الدسائس السياسية وبداية التحولات الاجتماعية، وهو ما يصوره هاريس بوضوح في كتابه.
ويزخر الكتاب بالصور الحية للمدن والبلدات والقرى التي زارها هاريس، ويحفل بالأوصاف المفصلة للمناظر الطبيعية في المغرب، كما يسلط الضوء على تعقيدات الحياة في ظل السلطة الحاكمة وقتئذ، وعلى ثقافة البلاد وسياستها ومجتمعها في ذلك العهد، وكل ذلك بأسلوب سردي جذاب ومسترسل، غالبا ما يمزجه هاريس بالحكايات الشخصية جنبا إلى جنب مع الملاحظات التاريخية والثقافية والجغرافية. وعلى الرغم من أن وجهة نظره تعكس المواقف الاستعمارية في عصره، إلا أن افتتانه بالطبيعة المغربية وبالثقافة المغربية بكل تجلياتها تظل جلية وواضحة طيلة فصول الكتاب.
يقع كتاب أرض سلطان إفريقي في أربعة أجزاء. الجزء الأول بدوره ينقسم إلى ستة فصول، ويبدأه هاريس بالحديث عن وصول جماعة من المغامرين الأوروبيين إلى طنجة بغرض مرافقته في رحلة إلى المدن الداخلية للمغرب، ويُتبِع ذلك بوصف شامل لمدينة طنجة، ثم بوصف الرحلة التي قاموا بها من هناك إلى مختلف المناطق الشمالية، مرورا بمدينة أصيلا والقصر الكبير والعرائش ومكناس، وصولا إلى فاس، ثم العودة من هناك إلى طنجة مجددا عبر وزان.
أما الجزء الثاني فينقسم إلى خمسة فصول، ويحكي فيه المؤلف عن الرحلة التي قام بها إلى المدن والمناطق الجنوبية، وبخاصة زيارته للسلطان الحسن الأول في مراكش ضمن بعثة السفير البريطاني وليام كيربي كرين، وكذا زيارته لجبال الأطلس الكبير، وللعديد من المدن الساحلية التي مر بها في طريق عودته إلى طنجة، ومنها آسفي والصويرة، والدار البيضاء، وسلا، والرباط.
وينقسم الجزء الثالث، إلى فصلين، يتولى هاريس في الفصل الأول منه الحديث عن ذهابه إلى وزان لزيارة مولاي محمد، الابن الثاني لشريف وزان الأكبر عبد السلام بن العربي الوزاني، بينما يخصص الفصل الثاني للحديث عن الزيارة التي قام بها متنكرا إلى مدينة شفشاون.
أما الجزء الرابع والأخير فيلخص فيه انطباعاته عن المغاربة ويتناول فيه بالوصف أعرافَهم وعاداتِهم وأنماطَ حياتهم.
كتاب أرض سلطان إفريقي، رغم ما قد يحتويه من تحيزات استعمارية، وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى أن هاريس كان جزءا من السياق الاستعماري في عصره، إلا أنه كتاب قَيم يساهم في فهمنا لماضي المغرب ويقدم نظرات ثاقبة عن بلد كان على حافة تحول كبير، عن قراه وبلداته وعن سكانه وأحوالهم وأنماط حياتهم في تلك الفترة من تاريخه، أي في أواخر القرن التاسع عشر، إبان فترة حكم السلطان الحسن الأول. كما يطلعنا الكتاب على أحوال الأوروبيين وأنشطتهم في البلد آنذاك، وعلى نظرتهم للمغرب والمغاربة، وعلى نظرة المغاربة لهم. ورغم بعض المغالطات سالفة الذكر، إلا أن الكتاب مع ذلك لا يخلو من أحكام صادقة ومن ملاحظات دقيقة. لذلك يمكن عده بهذا الاعتبار مرجعا خليقا بعناية المؤرخين والباحثين والقراء المهتمين بالثقافة المغربية والتاريخ المغربي بوجه عام.