أخبار عاجلة

محمد خليفة يكتب: القوانين المادية.. والجدلية الأمريكية

محمد خليفة (*)

حفلت كتب التاريخ بالعبر، ومن أبرز تلك العبر أن جنون القوة إن لم تلجمه حكمة العقل، فإن هذه القوة تصبح وبالاً على صاحبها، فالقوة التي تعادي الحق تضطرب وتسقط في عمق هوة الفراغ.

في هذا السياق يمكن قراءة قرارات الرئيس الأمريكي ترامب الذي يعمل على إحداث تغيير كبير في البنية القانونية والمفاهيمية والسياسية في الولايات المتحدة، وفق المادة الجدلية. ويبرز في هذا الإطار المشروع المادي المعروف باسم «الانتقال الرئاسي 2025»، وهو مبادرة سياسية مادية ديالكتيكية لفهم حركة العالم وفق المادة الجدلية لإعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة، وترسيخ السلطة التنفيذية لصالح سياسات اليمين. وقد جمع هذا المشروع أكثر من 100 منظمة مرموقة من مختلف أطياف الحركة المحافظة، وعمل فيه أكثر من 400 باحث وخبير سياسي من جميع أنحاء البلاد.
وقد نُشرت خطة المشروع العام الماضي من قِبل مؤسسة «هيريتدج» الأمريكية المحافظة. وينص هذا المشروع على أن السلطة التنفيذية بأكملها تخضع لسيطرة الرئيس الكاملة، بهدف تفكيك البيروقراطية الحكومية وإلغاء الدولة العميقة. ويدعو المشروع إلى استبدال موظفي الخدمة المدنية الفيدرالية القائمين على الجدارة بأشخاص موالين لترامب، والسيطرة الحزبية على الوكالات الحكومية الرئيسية، بما في ذلك وزارة العدل، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزارة التجارة، ولجنة التجارة الفيدرالية، وسيتم تفكيك أو إلغاء وكالات أخرى، بما في ذلك وزارة الأمن الداخلي ووزارة التعليم.

ويدعو المشروع إلى تقليل اللوائح البيئية لصالح الوقود الأحفوري، ويسعى المشروع إلى خفض الضرائب على الشركات، وفرض ضريبة دخل ثابتة على الأفراد، وإلغاء أكبر عدد ممكن من سياسات الرئيس السابق جو بايدن، وتجريم المواد الإباحية، وإزالة الحماية القانونية ضد التمييز ضد مجتمع الميم، وإنهاء برامج التنوع والمساواة والإدماج. ويوصي المشروع باعتقال المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم، ونشر القوات المسلحة الأمريكية لإنفاذ القانون المحلي، كما يقترح المخطط سن قوانين يدعمها اليمين المسيحي، مثل: تجريم أولئك الذين يرسلون ويتلقون أدوية الإجهاض ومنع الحمل، وإلغاء تغطية وسائل منع الحمل الطارئة، وغيرها من القضايا التي تمس المجتمع الأمريكي وهويته.

ومنذ أن عاد ترامب إلى منصب الرئاسة عمل على تطبيق هذا المشروع من خلال أوامر تنفيذية، وترشيح العديد من الأشخاص الذين صاغوها لأهم المناصب الحكومية. وصرحت حملة ترامب بأنه لا توجد مجموعةٌ خارجيةٌ تتحدث باسمه، وأن «أجندة 47» هي الخطة الرسمية الوحيدة لرئاسة ترامب الثانية. و«أجندة 47» هي البيان الذي أعلنه الرئيس المنتخب للحزب الجمهوري ترامب، وعرض فيه السياسات التي يعتزم تطبيقها عند توليه منصب الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة. وتتألف هذه الأجندة من 47 مجموعة خطط سياسية رسمية، يعتمد فيها ترامب بشكل كبير على الأوامر التنفيذية.
وعلى الرغم من أن ترامب قد نفى علمه بالمشروع، لكن أوامره التنفيذية تؤكد أنه يستلهم ذلك المشروع كأيديولوجيا شاملة لولايته الجديدة. وكان من أوائل الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب هو الأمر بتصفية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية «USAID» (يو إس ايد)، والتي أسسها الرئيس الأسبق كينيدي، وكانت تتولى إدارة المساعدات الخارجية، وهي تخضع لسيطرة الدولة العميقة، ومشاريعها الهادفة إلى التدخل في دول العالم المختلفة، وكان تحت تصرفها مليارات الدولارات. وقد كان إلغاء تلك الوكالة بمثابة ضربة كبيرة لمجلس الأمن القومي الأمريكي، كما أصدر الرئيس ترامب أمراً تنفيذياً بعنوان «حماية النساء من التطرف في أيديولوجية النوع الاجتماعي وإعادة الحقيقة البيولوجية للحكومة الفيدرالية»، ويهدف هذا الأمر التنفيذي إلى منع «الجنس الثالث» والمحافظة على «الواقع البيولوجي الثابت للجنس»، أي وجود جنسين فقط «ذكر وأنثى».
كما أصدر ترامب الأمر التنفيذي الذي يرمي إلى «إنهاء التمييز غير القانوني واستعادة الفرص القائمة على الجدارة»، وفي إطار المشروع يعمل ترامب على تعديل الدستور بهدف السماح له بتولي الحكم لولاية ثالثة، وفي هذا الإطار قدم النائب آندي أوغلز، الجمهوري عن ولاية تينيسي، مشروع قرار مشترك لمجلس النواب لتعديل الدستور للسماح بانتخاب الرئيس لثلاث فترات كحد أقصى. ويتطلب تعديل الدستور أن يصوّت ثلثي أعضاء الكونغرس على ذلك، أو الحصول على موافقة ثلثي الولايات على الدعوة لعقد مؤتمر دستوري لاقتراح التغييرات.
ويتطلب أيٌّ من الطريقين تصديق ثلاثة أرباع الولايات، وفي ظل وجود الحزب الديمقراطي كشريك فاعل في الدولة الأمريكية، فإنه سيكون من شبه المستحيل أن يحصل مشروع أوغلز لتعديل الدستور على الموافقة في الكونغرس. وقال ستيف بانون، حليف ترامب، في مقابلة مع قناة «نيوز نيشن» بأنه يعتقد أن ترامب «سيترشح ويفوز مرة أخرى في عام 2028». من دون أن يحدد الطريق للوصول إلى ذلك. لكن يرى بعض الجمهوريين أنه يمكن أن يصل ترامب إلى ولاية ثالثة عن طريق ترشح نائب الرئيس جيه دي فانس للمنصب ثم يُسلم المنصب لترامب.
إن مجريات الأحداث، بعد الصفعات التي تتلقاها سوق الأسهم الأمريكية وخسارة المليارات بعد «حرب الرسوم الجمركية» الأخيرة، قد تغير سيناريوهات ترامب في البيت الأبيض.. الشهور المقبلة ستكشف ماذا سيحدث.

(*) إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

شاهد أيضاً

توقيف مؤقت لحركة السير بسبب إزالة جسر الراجلين بطريق الدار البيضاء المداري انطلاقاً من 16 أبريل

أعلنت الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب أنها ستباشر أشغال تفكيك وإزالة جسر الراجلين المتواجد على …