أخبار عاجلة

محمد خليفة يكتب: الأسد الأفريقي والعلاقة بين أمريكا والمغرب

بقلم محمد خليفة (*)

ليست مناورات الأسد الأفريقي التي تنعقد بالتعاون بين القوات المسلحة الأمريكية والقوات المسلحة المغربية، إلا تعبيراً عن تلك العلاقة الخاصة التي تربط بين الدولتين، والتي تمتد لأكثر من قرنين، فقد كانت الإمبراطورية المغربية أول دولة في العالم تعترف رسمياً بالمستعمرات الأمريكية كدولة ذات سيادة موحدة عام 1777 في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله. وتوطدت رسميا عندما صادق الكونغرس الأمريكي على معاهدة السلام والصداقة بين الدولتين.

ورغم أن المغرب وقع منذ أواخر القرن التاسع عشر تحت الاستعمارين الإسباني والفرنسي، لكن إرادة المغاربة قاومت المستعمرين، ولاسيما بعد حدوث متغيرات كبرى في أوروبا من جراء الحرب الأهلية الإسبانية ومن ثم الحرب العالمية الثانية، فصدرت عام 1944 “وثيقة الاستقلال”، وتعرف أيضاً باسم بيان استقلال المغرب. وهي وثيقة دعا فيها القوميون المغاربة إلى استقلال المغرب بمجموعه الوطني في عهد محمد الخامس بن يوسف، وإقامة حكومة دستورية ديمقراطية تضمن حقوق جميع فئات المجتمع. وتم الإعلان عن استقلال المغرب في 18 نوفمبر 1956. ومن ثم تم استرجاع “طرفاية”، وهي منطقة في جنوب البلاد، وتم تأسيس حكومة جديدة. وسارت المملكة المغربية، منذ ذلك التاريخ، في مسار التقدم والتحديث، وتمكنت من تحقيق نهوض شامل حتى باتت اليوم دولة ناشئة في العالم. وقد سارت علاقاتها مع الولايات المتحدة بشكل إيجابي حتى أصبحت المملكة المغربية إحدى أهم شركائها في قارة أفريقيا. وترتكز العلاقات الثنائية بين الرباط وواشنطن على التنسيق الوثيق بشأن مجموعة من القضايا الإقليمية والدولية، وتلعب المملكة المغربية دوراً ريادياً في تعزيز الاستقرار بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وقد أبرمت اتفاقية للتجارة الحرة بين الدولتين عام 2004، وهي تتيح الوصول إلى الأسواق وتبادل المنتجات والخدمات بينهما، مع التركيز على تقليل الحواجز التجارية ورفع التعريفات الجمركية. وتعتبر المملكة المغربية الدولة الإفريقية الوحيدة التي تربطها اتفاقية للتبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الاتفاقية تمثل أساساً للشراكة القائمة بين الدولتين. وتسعى المملكة المغربية إلى تعزيز هذه الاتفاقية في إطار الدور الذي تلعبه كبوابة للاستثمار في إفريقيا. وتأكيداً على اهتمام الولايات المتحدة بالعلاقات الثنائية مع المملكة، فقد اعترفت عام 2020 بسيادتها على صحرائها، ودعمت المقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره الحل الأمثل لهذا النزاع. وفي عام 2007 تم إطلاق مناورات “الأسد الأفريقي” بالتعاون بين القوات المسلحة الأمريكية والقوات المسلحة المغربية، وهي تقام بمنطقة طانطان المغربية. وتعد أكبر تدريب عسكري مشترك في القارة الإفريقية، وتهدف هذه المناورات إلى تعزيز الجاهزية العسكرية وتحسين التنسيق ومواجهة التحديات الأمنية المعقدة في بيئات متعددة المجالات. كما تهدف إلى تطوير قابلية التشغيل البيني وتعزيز قدرات التدخل في إطار متعدد الجنسيات، وبما يضمن الأمن والاستقرار الإقليمي، والتدريب على تضاريس متنوعة منها، صحراء وهضاب وأودية ومنبسطات ومناطق قريبة من البحر. وظلت هذه المناورات قائمة لكنها كانت تجري على فترات متباعدة. وقد أقيمت النسخة الحادية والعشرون من هذه المناورات في الفترة من 14 أبريل – 23 مايو الماضي، وشارك فيها أكثر من أربعين دولة، بما في ذلك حوالي عشرة آلاف جندي، وتم تنفيذ التدريبات في أربع دول: المغرب، وتونس وغانا، والسنغال. وشملت التدريبات عمليات ميدانية مثل القفز المظلي، والطلعات الجوية لمقاتلات “إف-16″، وضربات راجمات “هيمارس”، وعملية برية هي الأولى من نوعها للقوات الخاصة المشتركة وقوات الرد السريع المغربية. بالإضافة إلى العمليات البرمائية والتدريب على الحرب الإلكترونية والدفاع ضد أسلحة الدمار الشامل. ويأتي تنظيم هذه المناورات في ظل بلوغ العلاقات المغربية الأمريكية مستويات متقدمة جداً، فهناك ثبات في الموقف الأمريكي من الصحراء باعتبارها تدخل ضمن سيادة المملكة المغربية، وكذلك في ظل نمو في العلاقات الاقتصادية وتزايد التبادل التجاري والتعاون الأمني والعسكري بين الطرفين، فقد أصبحت المملكة هي الدولة الأكثر قرباً من الناحية الاستراتيجية للولايات المتحدة في أفريقيا. ولدى المملكة المغربية جيش يعتبر من بين أقوى الجيوش في العالم، ووفق تصنيف القوة العسكرية لسنة 2025، الصادر عن منصة “غلوبال فاير باور” فقد حل الجيش المغربي في المركز التاسع والخمسين عالمياً من أصل مئة وخمس وأربعين دولة. كما حلّ هذا الجيش في المركز الثاني عشر على المستوى العالمي من حيث امتلاك الفرقاطات وسفن الدوريات، والرابع عشر من حيث امتلاك المدفعية ذاتية الحركة، إضافة إلى المركز الثامن عشر من أصل مئة وخمس وأربعين دولة من حيث امتلاك الدبابات، والرابع والعشرين عالمياً ضمن قائمة الدول الأكثر امتلاكاً لطائرات النقل ذات الأجنحة الثابتة، ثم المركز الرابع والأربعين بين الدول الأكثر امتلاكاً للطائرات المروحية. لكن هذا الجيش معدّ للدفاع عن أراضي المملكة فقط. وتستمر الشراكة المغربية الأمريكية في التقدم والازدهار وعلى مختلف الجبهات، لأن المملكة المغربية نجحت في ترسيخ نفسها كدولة محورية في قارة أفريقيا وخصوصاً في منطقة الساحل والصحراء حيث يتعقد المشهد هناك بسبب الاضطرابات السياسية في بعض الدول، وحيث تبدو المملكة هي الدولة القادرة على التأثير في المشهد بسبب روابطها التاريخية العميقة مع تلك الشعوب ومع شعـوب أفريقيـا بشكـل عام.

(*) كاتب من الإمارات

 

شاهد أيضاً

محمد خليفة يكتب: الظلم.. والألم الإنساني

محمد خليفة (*) الحرب شكّلت وتشكّل عالم الظلمات، كما أنها تؤثر سلباً في كينونة الإنسان …