أخبار عاجلة

“الذكاء الاصطناعي وذات الرداء الأحمر”.. قراءة فلسفية للدكتور محمد أمين المحفوظي في مستقبل الإنسان في عصر الآلة

في زمن تتسارع فيه وتيرة التحول الرقمي وتغزو فيه تطبيقات الذكاء الاصطناعي مختلف مناحي الحياة، يصدر الدكتور محمد أمين المحفوظي مؤلفا جديدا بعنوان “الذكاء الاصطناعي وذات الرداء الأحمر” L’intelligence artificielle et le chaperon) rouge)، محاولة فكرية تسعى لا إلى إطفاء النور، بل إلى استعادة الظل الذي تحتاجه البشرية كي تتأمل وتفكر وتختار عن وعي، حيث يطرح الكتاب سؤالا مصيريا: هل نحن على وشك التخلي عن جوهر إنسانيتنا مقابل راحة التقنية؟

يقدم المؤلف رؤية فريدة تجمع بين التحليل الفلسفي العميق والحكاية الرمزية، مستخدماً قصة “ذات الرداء الأحمر” كاستعارة لقدرة الإنسان على المواجهة في عالم يزداد تعقيداً وتقنية. فكما واجهت البطلة ذئب الغابة، يواجه الإنسان اليوم ذئاباً من نوع جديد – ذئاباً رقمية تهدد استقلاليته الفكرية.

الكتاب لا ينطلق من موقف رافض للذكاء الاصطناعي، بل يحذر من تحولنا إلى مجرد مستهلكين سلبيين للتكنولوجيا. ففي عصر أصبحنا نعتمد فيه على الآلات في الكتابة والحساب وحتى اتخاذ القرارات المصيرية، يذكرنا المؤلف بأن المعجزة الحقيقية تكمن في العقل البشري القادر على الإبداع والشك والتساؤل.

أحد أكثر المقاطع إثارة في الكتاب يتساءل: “ماذا سيحدث لو توقفت الآلات عن العمل يومًا ما؟ هل ما زلنا نمتلك المهارات الأساسية التي امتلكها أجدادنا؟ هل نستطيع قراءة النجوم للاهتداء، أو إصلاح الأشياء بأيدينا، أو حتى تذكر المعلومات المهمة دون الاعتماد على ذاكرة خارجية؟”

يقدم المؤلف تحليلاً دقيقاً لما يسميه “الغابة الرقمية”، حيث تضيء شاشاتنا كل شيء إلا أعماقنا الإنسانية. في هذه الغابة، قد نجد كل المعلومات التي نريد، لكننا نفقد شيئاً أكثر أهمية: القدرة على التفكير النقدي، والصبر على البحث، وتحمل مسؤولية قراراتنا.

الكتاب ليس مجرد نقد للتكنولوجيا، بل هو دعوة لإعادة اكتشاف إنسانيتنا. فهو يشبه إلى حد كبير إشعال شمعة في غرفة مضاءة بمصابيح LED – ليس لننكر فوائد الضوء الاصطناعي، بل لنذكر أنفسنا بأن هناك أنواعاً أخرى من الإضاءة لا تقل أهمية.

في زمن يتسابق فيه الجميع لتبني أحدث تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يأتي هذا الكتاب كمنارة تحذيرية، تذكرنا بأن التكنولوجيا يجب أن تبقى أداة في يد الإنسان، وليس العكس. إنه نداء لإعادة التوازن إلى علاقتنا مع الآلات، قبل أن نستيقظ يوماً لنجد أننا أصبحنا نحن الشخصيات الثانوية في قصتنا الخاصة.

يختتم المؤلف برسالة مؤثرة: “الذكاء الاصطناعي قد يكون معجزة التقنية، لكن العقل البشري – بكل بطئه وهشاشته – يبقى المعجزة الأعظم. فليكن الذكاء الاصطناعي رداءنا الأحمر، وليس الذئب الذي يهددنا في الغابة الرقمية.”

هذا الكتاب الذي صدر عن دار النشر Vie يُعد إضافة ضرورية لكل من يهتم بمستقبل الإنسان في عصر التكنولوجيا، ويسعى لفهم كيفية الحفاظ على إنسانيتنا في عالم يتغير بسرعة مذهلة.

جدير بالذكر أن الدكتور محمد أمين المحفوظي، صاحب هذا الطرح النقدي الرصين، هو خبير مغربي في مجالات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي وحوكمة التكنولوجيا. حائز على دكتوراه في علوم الإعلام والاتصال من جامعة نيس صوفيا أنتيبوليس، وأجرى أبحاثه داخل مختبر TransitionS، ما يمنحه خلفية علمية وفكرية متينة تضفي على العمل مصداقية وعمقا.

الكتاب متوفر حاليا عبر موقع “Éditions Vie”، وهو إضافة نوعية إلى النقاش العالمي حول الذكاء الاصطناعي وعلاقته بالوجود الإنساني.

شاهد أيضاً

داسيا المغرب تحتفل بـ20 سنة من تواجدها بالمملكة بحفل موسيقي ضخم في الدار البيضاء

شهدت مدينة الدار البيضاء، مساء السبت 14 يونيو الجاري، حدثا فنيا استثنائيا احتفاء بمرور عشرين …