أخبار عاجلة

محمد خليفة يكتب: «السيكوباتي».. والعنف البشري

محمد خليفة (*)

تفقد الحياة قيمتها حينما يصبح البشر حطاماً طافياً على سطح محيط الضرورة في تيارات العدم نحو باحات المقابر. وليس أتعس من واقع تصبح فيه الشعوب كقطع الشطرنج في لعبة على رقعة الزمان بين صحوة عقل وجنون الطاغية. إن المفاهيم المرتبطة بالطاغية مشتقة من الطغيان، وتجاوز الحد بالباطل، وتبلغ أوجها بالظلم والاستبداد. وليس أشد إثارة للحزن مِن أن يظن ظانٌ أن العناصر اللامعقولة سوف يخلدها التاريخ في وعي الإنسان. إنها المجابهة المجنونة، منذ عصور طويلة.

لقد كشف علماء النفس بأن مرضى السيكوباتية لديهم قابلية للعنف والتوحش، إذ يعانون ما يُعرف بالضلالات وهي أفكار خاطئة، يعتقد السيكوباتي أنها صحيحة ويقينية وإن كانت خطيرة، دون إدراك لتعريف العنف تعريفاً إجرائياً بأنه الاستخدام غير المشروع للقوة المادية بأساليب متعددة لإلحاق الأذى بالأشخاص والجماعات والممتلكات بالفعل والكلمة، فتُطلق على أولئك الذين يسلكون طريق العنف والقسوة، وينهجون طريقة عمل مباشرة ترمي إلى إثارة الرهبة والرعب، أي إيجاد مناخ من الخوف والهلع بين الناس.وتستند الشخصية السيكوباتية إلى منظومة فكرية، أو قل سياسية تسوغ العنف ومحاولة تبريره وإعطائه شرعية، وتستعين بشعارات، أو مقولات تخاطب الغرائز وتدغدغ العواطف البدائية لحجب الوعي والعقل. ولهذا يصبح العنف الطريق الطبيعي الذي يقود إلى استخدام القوة، أو التهديد والإكراه بسبب الشخصية المضادة للمجتمع أو السيكوباتية. وكما يُشير أكثر علماء النفس، هي أكثر أنواع اضطراب الشخصية التي تثير الاهتمام، نظراً لما تقوم به من سلوكيات إجرامية، وبأفعال عديمة المسؤولية تصل إلى قتل الأبرياء من الأطفال والنساء بالطائرات والقنابل وقاذفات الصواريخ، وتخريب الممتلكات العامة من مدارس ومستشفيات. وتتعامل الشخصية السيكوباتية بتعالٍ كبير وغرور واضح، يرى نفسه فوق الجميع، لذا يستخف بالآخرين يحاول خداعهم، وربما يستخدم اللطف سلاحاً للوصول إلى أهدافه، كي يتمكن من تبرير أفعاله، وهو يتسق تماماً مع ذاته، فالجميع يعلم أنه يزيف الحقائق، لكنه يسبح في عالمه الذي صنعه لنفسه.
ترى اليوم الشخص السيكوباتي يشاهد على شاشات التلفزيون وجوهاً ذابلة وعظاماً تسكنها الأحزان، يقطعون عشرات الكيلومترات من أجل كيس طحين، أجسادهم منهكة أضعفها الجوع والمرض، يتحركون في ساحة محدودة، لم تعد العظام قادرة على الحراك، أطفال تسير على غير هدى، يجلسون بجانب المخيم، هذا المخيم يضم أكواخاً متلاصقة، ليس أقسى من مشهد الموت البطيء، وتزداد القسوة عندما تقف الأم عاجزة عن إطعام أبنائها المرضى، موت بطيء عنوانه العجز والموت التدريجي، منهم من هو مصاب بمرض ضمور الخلايا العصبية.
محطات العالم تبث هذه الوقائع المؤلمة على الهواء مباشرة في أنحاء العالم. ومع ذلك فالجيش الإسرائيلي بعد أن أعمتهم نرجسيتهم بصيرة وبصراً يظهرون ببيان ينكرون ويكذّبون العالم ليقولوا إنه «لا توجد مجاعة»، وهم بذلك يمارسون السيكوباتية بمزيج من السادية والمازوكية، حيث يستجلبون لذائذه من الشرور والافتراء يركبها أخطر أنواع الجنون، إنه جنون العظمة المتلفع برداء الكذب، وتحدياً مهيناً لإنسانية الإنسان.
وتشير الدراسات الحديثة إلى أن الأمراض النفسية تنتشر بنسب أكبر بين مرضى الفصام، وهو مرض عقلي يتميز بمجموعة من الأعراض النفسية والعقلية، وكذلك اضطرابات التفكير والسلوك والوجدان، والسيكوباتية الشخصية المضادة للمجتمع. وعلى وجه التحديد الذين يتعرضون لضغوط تدفعهم نحو الانحراف واتباع السلوك العنيف. وقد وضع الطبيب والسياسي البريطاني الشهير ديفيد أوين، كتاباً بعنوان «في المرض وفي القوة» وهو يتناول ارتباط الزعامة والقوة بالمرض النفسي، وبيّن سلوك الكثير من الرؤساء الأمريكيين ورؤساء الوزارة البريطانيين، حيث كشف أن البعض كان لديهم اعتلال نفسي وانفصام الشخصية. فقد تعاطى جون كينيدي عقاقير وحقناً مخدرة أثناء أزمة الصواريخ الكوبية، لتهدأ نفسه ويعرف كيف يتخذ القرار المناسب.
وتشير بعض الدراسات أن الزعيم الألماني أدولف هتلر كان يعاني الاعتلال النفسي، وهذا ما يفسر جرأته على ارتكاب العنف وقتل الناس الأبرياء داخل ألمانيا وخارجها. كما كان الزعيم السوفييتي السابق جوزيف ستالين معتلّاً نفسياً، فقد حكم من خلال إرهاب الشعب، وقتل الملايين من شعوب الاتحاد السوفييتي السابق. وإذا كان العلم قد استطاع اليوم أن يبيّن الحقائق، وأن يكشف عن ذلك المرض الخطير وهو الاعتلال النفسي «سايكوباتي» الذي يسوّل للمصاب به قتل الناس دون رحمة، فيمكن القول، إن الكثير ممن قادوا الجيوش وغزوا الشعوب واقترفوا أبشع الجرائم، كانوا «سيكوباتيين» من هؤلاء جنكيز خان الذي امتهن القتل كوسيلة لغزو البلاد والسيطرة عليها، فمثلاً قتل كل سكان مدينة نيشابور انتقاماً لمقتل زوج ابنته، وبنى أهرامات من جماجم الضحايا، وأيضاً تيمور لنك الذي قتل كل الذكور في مدينة دمشق ولم يترك سوى النساء.
وفي عالم اليوم لدينا حالة نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل ونظامه القائم على القتل والتدمير، حتى وإن طال أمد الحرب وارتكاب الجرائم الكبرى دون مسؤولية أخلاقية وبفعل ذبول الإحساس العامل بالغاية الإنسانية، ما يفضي إلى نهاية الطاغية مهما امتد به الزمن، وهي نهاية معتمة ومحتمة.

 

(*) إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

شاهد أيضاً

تيك توك تكرس جهودها لحماية الأطفال وتعزيز الأمان الرقمي في العالم العربي

أكدت منصة تيك توك التزامها المستمر بدعم وتعزيز السلامة الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال …