هويلفا.. مهد كرة القدم الإسبانية وبداية قصة المجد الكروي في إسبانيا

تعتبر مدينة هويلفا الواقعة في إقليم الأندلس جنوب إسبانيا المهد الحقيقي لكرة القدم الإسبانية، إذ منها انطلقت شرارة اللعبة نحو مختلف أنحاء البلاد، لتتحول لاحقا إلى أحد أبرز المكونات الثقافية والرياضية في المجتمع الإسباني.

تعود جذور كرة القدم في إسبانيا إلى القرن التاسع عشر، حين جلبها العمال والمهندسون البريطانيون الذين استقروا في منطقة ريو تينتو الغنية بالمناجم. هؤلاء البريطانيون نظموا أولى المباريات الكروية في البلاد خلال سبعينيات القرن التاسع عشر، قبل أن يؤسسوا سنة 1889 أول ناد رسمي لكرة القدم في إسبانيا، وهو نادي ريكرياتيفو دي هويلفا (Recreativo de Huelva)، الذي ما زال يلقب حتى اليوم بعميد كرة القدم الإسبانية.

من هويلفا، انتقلت اللعبة تدريجيا إلى مدن أخرى مثل إشبيلية، حيث تأسس نادي إشبيلية إف سي سنة 1890، ثم إلى برشلونة على يد المهندس السويسري خوان غامبر الذي أسس نادي برشلونة عام 1899، قبل أن تصل إلى مدريد التي شهدت ميلاد ريال مدريد سنة 1902، بعد أن بدأ بعض الطلبة في ممارسة اللعبة عقب عودتهم من إنجلترا.

وفي ظل تزايد شعبية اللعبة، تم سنة 1909 تأسيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم (RFEF) لتنظيم المسابقات والإشراف على تطوير اللعبة، فيما شهد عام 1903 إقامة أول نسخة من كأس الملك، لتكون أول بطولة وطنية في تاريخ البلاد. أما الدوري الإسباني (La Liga) فقد انطلق سنة 1929، ليصبح لاحقا واحدا من أقوى وأشهر الدوريات في العالم.

هكذا، تحولت كرة القدم من لعبة جلبها العمال البريطانيون إلى إسبانيا، إلى رمز وطني يوحد الجماهير من مختلف المدن، ومصدر فخر عالمي بفضل أندية عملاقة مثل ريال مدريد وبرشلونة، اللذين جعلا من إسبانيا قوة كروية عالمية.

ولا يمكن فصل هذا التاريخ الكروي الإسباني عن عمقه الأندلسي المتوسطي، الذي شكل عبر القرون صلة ثقافية وإنسانية متينة مع المغرب. فمدن مثل إشبيلية وقرطبة وغرناطة، التي ساهمت في نشر كرة القدم في بداياتها، ما زالت تحتفظ في ملامحها بروح الأندلس التي امتزجت فيها الثقافات. وهكذا، تظل قصة كرة القدم في إسبانيا امتدادا لتاريخ مشترك يجمع ضفتي المتوسط، حيث لا تزال المواهب المغربية اليوم تضيء الملاعب الإسبانية وتواصل كتابة فصول جديدة من هذا الإرث الرياضي العريق.