محمد خليفة (*)
ثمانون عاماً، ولَّت من عمر الأمم المتحدة، وهي مدة طويلة مقارنة بسابقتها «عصبة الأمم» التي مكثت نحو عشرين عاماً وتحطمت واختفت بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، وتغيُّر ميزان القوى من جراء سقوط قوى كانت موجودة وصعود قوى أخرى جديدة على مسرح العالم، وقد احتفلت الأمم المتحدة بيومها في 24 أكتوبر (تشرين الأول من كل عام)، وهذا اليوم يمثل ميلاد المنظمة الدولية.
ويوم الثلاثاء الماضي قال الأمين العام للأمم المتحدة: إن مجلس الأمن لا يتجاوب مع الاحتياجات الحالية، وإن هناك إصلاحات مطروحة لإصلاح مجلس الأمن، ويجب منع استخدام حق النقض في مجلس الأمن في حالات معينة.
لقد انطلقت أعمال الدورة العادية الثمانين للمنظمة الدولية في 9 سبتمبر (أيلول) 2025 تحت شعار «بالعمل معاً نحقق نتائج أفضل: ثمانون عاماً وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان»، وخلال هذه الدورة، بحث قادة العالم عن حلول للتحديات العالمية من أجل تعزيز السلام والأمن والتنمية المستدامة، وبهذه المناسبة طرحت جمهورية الصين الشعبية مبادرة بعنوان «الحوكمة العالمية» من أجل فتح مسار ملموس وملائم للمستقبل، وترتكز المبادرة على 5 مفاهيم أساسية هي: «الالتزام بالمساواة في السيادة، والامتثال للقانون الدولي، وممارسة التعددية، والدعوة إلى نهج يركز على الإنسان، والتركيز على اتخاذ إجراءات حقيقية».
وتتوافق هذه المبادئ مع ميثاق الأمم المتحدة، وتأتي هذه المبادرة في وقت تتصاعد فيه النزعات المتطرفة لإجهاض عمل هذه المنظمة، وذلك من خلال السياسات التي تتبناها بعض القوى الكبرى، والتي تهدف إلى تكريس مبدأ الأحادية القطبية في العالم.
لا شك أن المنظمة الدولية لعبت أدواراً مهمة من خلال المنظمات والوكالات التابعة لها مثل، منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، ومنظمة الأغذية والزراعة العالمية «الفاو» وغيرها من المنظمات والوكالات التي لعبت أدواراً إيجابية في خدمة المجتمعات البشرية.
لكن الدور السياسي للمنظمة يعتريه الكثير من القصور إذ تتيح للقوى العظمى أن تتحكم، من خلال قرارات الأمم المتحدة، بمصائر الشعوب الضعيفة، وتنفذ سياسات غير عادلة تحت مظلة هذه المنظمة الدولية.
ويأتي في مقدمة تلك السياسات العقوبات التي تُفرض باسم الأمم المتحدة على هذه الدولة الضعيفة، مثل: تلك العقوبات المفروضة على كوبا، منذ أكثر من خمسين عاماً، والتي جعلتها تتخلف عن غيرها من الدول الأخرى، وبالقطع فإن دعوة الصين إلى حوكمة المنظمة الدولية، تأتي بهدف وضع حد لتلك الممارسات غير الأخلاقية التي تتم باسم هذه المنظمة.
والحوكمة المطلوبة على مستوى الأمم المتحدة هي في الجانب السياسي الذي تمثله الجمعية العامة ومجلس الأمن، حيث من الضروري أن يكون للأمين العام سلطته الذي ينبغي أن تُحترم ويُعترف بها من قبل كل الأعضاء على قدم سواء، وأن تكون كلمته نافذة في الصراعات الدولية التي قد تحدث هنا أو هناك من العالم، فالأمين العام هو المفوض بتنفيذ سياسات الأمم المتحدة بشقيها: الجمعية العامة ومجلس الأمن، لكنه، رغم ذلك، لا يعدو أن يكون مجرد موظف عند بعض القوى الكبرى، فهو لا يرفع صوته ليندد ببعض التصرفات والانتهاكات الدولية، ولا يتدخل لحل نزاع دولي، وقد دفع الأمين العام «داغ همرشولد» حياته ثمناً لرفضه العدوان الثلاثي على مصر، واعتبره انتهاكاً للشرعية الدولية، كما أن الأمين العام كوفي عنان انتظر ثمانية عشر شهراً من حدوث الغزو الأمريكي للعراق في مارس (آذار) 2003، حتى توفرت له الشجاعة ليعترف علناً بأن ذلك الغزو كان «غير قانوني».
ولعل تعزيز مكانة الأمين العام وجعله قادراً على اتخاذ القرارات التي تصب في صالح الشعوب هو الشيء الذي ينبغي أن تعمل عليه الدول المختلفة، وأيضاً ينبغي تعزيز الشفافية في مجلس الأمن، ومنع دولة واحدة من أن تنقض القرارات التي تعرض على المجلس، بل ينبغي أن يتم ذلك عبر مرحلتين: الأولى: هي حصول القرار على أغلبية دول الجمعية العامة، وحصوله بعد ذلك على أغلبية دول مجلس الأمن، وبهذه الطريقة يتخلص المجتمع الدولي من الأحادية القطبية، وتتحقق العدالة على مستوى المجتمع الدولي ككيان سياسي وعلى مستوى مختلف دول العالم.
لا شك أن حوكمة هيئة الأمم المتحدة باتت حاجة ملحّة، وخصوصاً في ظل هذا التقدم التقني المخيف في العالم، وفي ظل ظهور قوى دولية جديدة. إن هيئة الأمم المتحدة التي يُجمع العالم أجمع على ضرورة وجودها ككيان يخدم الجميع، هي اليوم أمام مفترق طرق خطِر، فاشتداد الصراع بين القوى الكبرى قد يؤدي إلى وقوع حرب نووية قد تفني دول وشعوب بأكملها، فهل تستمع القوى الكبرى إلى نداء العقل وتحتكم إلى مبادئ وقوانين الأمم المتحدة قبل فوات الأوان، أم تسعى كل دولة، خاصة الدول العظمى، لاستغلال المنظمات الدولية لخدمة مآربها السياسية والاقتصادية؟
(*) إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.
المستقبل 24 جريدة إلكترونية مغربية أخبار متنوعة