أخبار عاجلة

محمد خليفة يكتب: الصحراء المغربية وانتصار العدالة السياسية

محمد خليفة (*)

نجحت المملكة المغربية في تثبيت حقوقها التاريخية في صحرائها التي أرادت بعض القوى الاستعمارية جعلها بؤرة صراع سياسي بين الأشقاء في المنطقة، حيث تلعب الجغرافيا دورها في تأجيج الخلافات السياسية بين الدول.

لقد حسم مجلس الأمن الدولي مؤخراً هذا الصراع الذي دام 50 عاما، حين صوت على مشروع القرار رقم 2797، الذي ينصّ على أن “تتمتع الصحراء الغربية بحكم ذاتي تحت سيادة المغرب”، ودعا جميع الأطراف إلى “الانخراط في مفاوضاتٍ بناءً على خطّة الحكم الذاتي التي قدمتها المملكة المغربية إلى الأمم المتحدة”. وبهذا القرار التاريخي فقد انتهى الصراع الدولي حول هذه الأرض، ولم يعد بوسع “البوليساريو” أن تطلب شرعية دولية لمطالبها بعد أن حسم العالم، ممثلاً في مجلس الأمن، خياره لصالح مغربية الصحراء، وهذا النصر الذي حققته المملكة المغربية يطوي حقبة الاستعمار الاسباني الذي استعمر بعض أجزاء الأرض المغربية بما فيها وادي الذهب والساقية الحمراء.

كان الاستعمار قد دفع، قبل خروجه من المنطقة، بعض المحاربين من أصول مغربية في جيشه لتشكيل ما يسمى “جبهة البوليساريو” بهدف حرمان المملكة المغربية من ضم هذه الأرض إليها، وكلمة “بوليساريو” هي اختصار لجملة باللغة الإسبانية تعني “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”. وقد أنشأت البوليساريو ما يسمى “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”. ولم تعترف الأمم المتحدة بتلك الدولة، بل اعترفت بالبوليساريو كمفاوض للمملكة المغربية. وقد شنّت تلك الجبهة عمليات عدوانية، بهدف إثبات وجودها، مثل الهجوم على مدينة الزويرات في موريتانيا، والذي اختطفت فيه مجموعة من الفنيين الفرنسيين كانوا يعملون في مناجم الحديد، ومن ثم صارت عناصر الجبهة تهاجم نقاط تواجد الجيش المغربي وفق ما يسمى “حرب العصابات”، واستمر الأمر كذلك حتى تم وقف إطلاق بين المملكة المغربية وبوليساريو عام 1991.

في أبريل 2007، قدّمت المملكة المغربية إلى الأمم المتحدة مبادرتها إلى الأمم المتحدة لإعطاء الصحراء حكماً ذاتياً ضمن السيادة المغربية. وتلا ذلك انطلاق ما يسمى “مفاوضات مانهاست” في نيوريوك، والتي تمت بدعوة من الأمم المتحدة للطرفين. وقدم وفد المملكة مبادرة الحكم الذاتي كأساس للحوار مع البوليساريو، بينما أصرت هذه الأخيرة خلال تلك المفاوضات على إجراء ما يسمى “استفتاء” لتقرير مصير أهالي الصحراء. وبذلك فقد انتهت المفاوضات بلا أية نتائج، وظلت المملكة المغربية على موقفها بخصوص الحكم الذاتي، ونجحت دبلوماسيتها في توضيح موقفها من الصحراء لدى الدول الأخرى ما أدى في النهاية إلى ميل نحو 113 دولة في العالم بمن فيها الولايات المتحدة وفرنسا إلى دعم حق المملكة في صحرائها، فقد اعترفت الولايات المتحدة عام 2020 بالسيادة المغربية على الصحراء، كما اعترفت  فرنسا بالمقترح المغربي بخصوص الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء، وجاء ذلك في رسالة أرسلها الرئيس ايمانويل ماكرون في العيد الوطني للمملكة في يوليو العام الماضي. وأبدت غالبية دول الاتحاد الأوروبي دعمها للمقترح المغربي بخصوص الصحراء، كما ساندت هذا المقترح دول كثيرة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، وبهذا فقد حققت المملكة المغربية إجماعاً عالمياً على حقها في صحرائها.

وأكد جلالة الملك محمد السادس، في خطاب موجه إلى الشعب المغربي عقب تصويت مجلس الأمن الدولي لصالح مخطط الحكم الذاتي، “أن هذا اليوم يشكل لحظة تاريخية في مسار القضية الوطنية”. وشدد الملك محمد السادس على “أن ما بعد 30 أكتوبر ليس كما قبله، مؤكداً أن هذه المرحلة تؤذن ببداية عهد جديد من البناء والوحدة الوطنية الراسخة”. وفي أعقاب الخطاب الملكي، توالت ردود الفعل الرسمية والدولية المرحبة بقرار مجلس الأمن، إذ عبرت عدة دول صديقة للمغرب عن دعمها لهذا القرار. كما أشارت منظمات إقليمية ودولية إلى الجهود التي تبذلها المملكة المغربية من أجل ترسيخ الاستقرار والتنمية في المنطقة. وقد أعلنت جبهة بوليساريو، أنها “لن نكون طرفاً في أية مفاوضات لا تحترم حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير”. لكن موقفها لا يُعتد به أمام قرار مجلس الأمن، الذي كان واضحاً في اعتماده للخطة المغربية القائمة على الحكم الذاتي للمنطقة.

وتنص تلك الخطة على نقل جزء من صلاحيات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى “جهة الحكم الذاتي للصحراء”، ليدبر سكانها “شؤونهم بأنفسهم” “بشكل ديموقراطي”، بينما تحتفظ المملكة بصلاحياتها المركزية “في ميادين السيادة، لا سيما الدفاع والعلاقات الخارجية”. وتمارس جهة الحكم الذاتي، حسب الخطة، اختصاصاتها التنفيذية من خلال “رئيس حكومة ينتخبه البرلمان الجهوي، وينصبه الملك”. بينما يتكون البرلمان الجهوي من أعضاء “منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية”، وآخرين “منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة.

وينص المشروع كذلك على “يجب أن تكون القوانين التشريعية والتنظيمية والأحكام القضائية الصادرة عن هيئات الحكم الذاتي للصحراء، مطابقة لنظام الحكم الذاتي في الجهة، وكذا لدستور المملكة”. وتحتفظ الدولة المركزية بالصلاحيات السيادية، مثل الأمن والدفاع والعلاقات الخارجية، بالإضافة إلى مقومات السيادة مثل العلم والنشيد الوطني والعملة.

(*) كاتب من الإمارات

 

شاهد أيضاً

محمد خليفة يكتب: القيم الأمريكية.. والزلزال السياسي

محمد خليفة (*) تتسارع خطا الزمان من جيل إلى جيل لتعزف سيمفونية الوجود، وفق أيديولوجيات …