الأستاذ يوسف عبد القاوي (*)
إن الأصل في طرازة القوانين بالمفهوم التنظيمي للكلمة، أو سن قوانين وتعديلها ،أنها لا تتم بطريقة تخدم خصيصا مصالح فئة معينة أو شخص معين، سواء كانوا أفرادا، جماعات، مسؤولين، شركات، أو جهات نافذة، على حساب المصلحة العامة لأن القانون يوضع لمراعاة العدالة وتحقيق الصالح العام، وليس لخدمة أهداف خاصة أو ظرفية وإلا سنكون أمام غياب للحياد التشريعي، وتسييس للقوانين لخدمة مصالح آنية.
إن ما رشح عن مشروع القانون المنظم لمهنة المحاماة، من اشتراط أقدمية خمس سنوات لممارسة الحق فالاختيار عبر التصويت خلال الانتخابات المهنية فيه خرق لمبدأ المساواة أمام القانون، وتشويه لمفهوم دولة القانون والمؤسسات.
فلا شك أن اعتماد مقتضى من هذا القبيل من شأنه تقويض مبدأ الديمقراطية الداخلية والمقاربة
التشاركية، ويتعارض مع المواثيق الدولية لكونه
يتنافى مع المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين المعتمدة من طرف الأمم المتحدة، والتي تدعو إلى ضمان استقلالية المهنة ومشاركة كل المحامين في تنظيمها.
فهذا المقتضى، الذي لحسن الحظ يشاع أنه لا يزال مضمن بمجرد مشروع القانون الذي لم تجر بعد مناقشته بالبرلمان بغرفتيه، يعد تشريعا إقصائيا وعلى المقاس، يعارض روح العدالة والمساواة، ويقوض مبادئ الديمقراطية المهنية، ويمهد لتكريس الفئوية وتكريس احتكار الهياكل من قبل فئات محددة، في وقت تحتاج فيه المهنة إلى كل أبنائها وإلى التجديد والانفتاح والتكافؤ في الفرص والحقوق، فالعبرة في جميع المهن ليست بالسن ولا بالأقدمية ولكن بالكفاءة والقدرة على العطاء وعلى الخلق والإبداع. إن أي مقتضى قانوني يمنع المحامين الذين لم يمِض على تسجيلهم خمس سنوات من التصويت في الانتخابات المهنية سيثير عدة اختلالات قانونية وحقوقية، ويمكن بيان “خطورته”على المستويات التالية :
1. خرق مبدأ المساواة:
هذا التدبير، الذي نتمنى أن يكون مجرد إشاعة، يشكل تمييزا غير مبرر بين المحامين على أساس مدة الأقدمية، في “خلاف صريح لمبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون” المنصوص عليه في الدستور.
إن الصفة المهنية (محاٍم) يجب أن تبقى هي المعيار الوحيد للمشاركة في الانتخابات المهنية، وليس عدد سنوات الممارسة، وأي تدبير مخالف لذلك فيه انتقاص من الأهلية القانونية والمدنية، فالمحامون الشباب هم “رشداء قانونا” حقوقهم السياسية والمدنية، بما فيها التصويت والانتخاب، وتقييد هذا الحق بسبب “قلة الأقدمية” “يعد أيضا حرمانا غير مشروع “من حقهم في المشاركة في تنظيم مهنتهم.
2 .إقصاء لفئة كبيرة من الجسم المهني.
المحامون الذين تقل أقدميتهم عن خمس سنوات يشكلون نسبة معتبرة داخل الهيئات وإقصاؤهم من التصويت يهمش صوت شريحة واسعة ويضعف شرعية المؤسسات المنتخبة.
3 .تكريس الهيمنة والتحكم:
هذا النوع من المقتضيات يفسر بأنه محاولة للتحكم في قواعد اللعبة الانتخابية من طرف فئات متنفذة مهنيا،
يخشى من أن يوظف لحماية مواقع النفوذ على حساب التمثيلية العادلة والتجديد داخل الهياكل المهنية، وهو أيضا مقتضى يمنع المحامين الشباب من “المشاركة في صنع القرار داخل المهنة”، رغم أن القرارات المتخذة تمسهم مباشرة.
وإلى جانب هذا المقتضى، الذي إذا ما تم اعتماده لا قدر الله، سيشرعن مكنة وآلية قانونية للإقصاء والتهميش لشباب المهنة ومستقبلها، هناك حديث عن مقتضيات أخرى تجعل من الترشح لمهمة النقيب أمرا شبه تعجيزي عبر اشتراطات غير مبررة لا تعرف لها فلسفة ولا مرجعية، كأن يشترط في المرشح لمهمة نقيب الهيئة ولايتين من عضوية المجلس وثلاثون سنة من الممارسة المهنية وهي اشتراطات ليس لها ما يبررها ولا ما يفسرها قانونا إلا أنها واقعا قد تفسر بالرغبة في حصر عدد المرشحين لمهمة النقيب في فئة بعينها وكأن الأمر يتعلق بمهمة لا يمكن إنجاحها إلا من قبل قيادمة وشيوخ المهنة وهو ما يعد إقصاء مقننا واستنقاصا من كفاءة شباب المهنة وقدرته على القيام بالمهمة على أكمل وجه. إن كل المقتضيات والتدابير المشار إليها، والتي نتمنى صادقين أن تبقى مجرد إشاعات غذاها ولا زال يغذيها القرار الغريب العجيب، المتمثل في الإبقاء على مضامين مشروع قانون المهنة طي الكتمان دون أي سبب مشروع ومقبول.
(*) محام، عضو مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء
المستقبل 24 جريدة إلكترونية مغربية أخبار متنوعة