في الوقت الذي ينتظر فيه المحامون المغاربة، وخاصة بهيئة المحامين بالدار البيضاء، إصلاحًا حقيقيًا وعادلًا لمهنة المحاماة، تفاجأ الجميع بما رشح عن مشروع قانون جديد يسعى لتنظيم المهنة، لكنه جاء محمّلًا بشروط تعجيزية ومجحفة للترشح لمنصب نقيب الهيئة، تكرّس منطق الإقصاء و”التشريع على المقاس”.
ومن بين أكثر المقتضيات إثارة للجدل، “اشتراط الترشح لمنصب النقيب بتوفر ولايتين كعضو بمجلس الهيئة، إضافة إلى ثلاثين سنة من ممارسة مهنة المحاماة”. هذا الشرط المزدوج، الذي نتمنى أن يكونومجرد إشاعة، لا يتوفر إلا في فئة قليلة جدًا، ويقصي بشكل آلي عشرات، بل مئات، من المحامين المؤهلين قانونيًا وأخلاقيًا ومهنيًا لتحمّل مسؤولية النقيب.
أين هي الديمقراطية الداخلية؟
ما الهدف من تضييق دائرة الترشح بهذا الشكل سوى الحفاظ على الوضع القائم وتوريث المناصب لدوائر مغلقة؟ هل أصبحت المهنة النبيلة، التي ناضلت تاريخيًا من أجل استقلاليتها وعدالتها، تُدار بعقلية انتقائية تُفرّغ صناديق الاقتراع من محتواها الحقيقي؟ هذه المقتضيات لا يمكن وصفها سوى بأنها تشريع على المقاس، يكرّس منطق احتكار المواقع، ويضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص، بل ويقيد إرادة الجمعية العامة للمحامين، التي تظل صاحبة السيادة في اختيار نقيبها.
فإذا كانت بعض الهيئات تعاني من فراغ على مستوى الأسماء ذات التجربة الطويلة، فإن هذا الشرط لن يُفرز سوى “التزكية الإجبارية”، لا التنافس الحر.
المطلوب اليوم، هو فتح نقاش واسع ومفتوح حول مشروع القانون، والاستماع لصوت المحامين، لا فرض نصوص تفصل على مقاس فئة بعينها. مهنة المحاماة لا تحتاج إلى شروط إقصائية، بل إلى كفاءات نزيهة، وبرامج واقعية، وممارسين حقيقيين لهم تصور للنهوض بالهيئة والدفاع عن استقلاليتها.
إن تمرير مثل هذا الشرط سيمثل “نكسة ديمقراطية خطيرة داخل جسم المحاماة”، وسيُفقد النقيب القادم أي مشروعية أخلاقية أو مهنية، لأنه ببساطة سيكون نتاج قانون أُعدّ ليقصي لا ليُنصف.
(*) محام
عضو مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء
المستقبل 24 جريدة إلكترونية مغربية أخبار متنوعة