فؤاد بوعلي
يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء أبوابه أمام عموم المواطنين والأكاديميين والباحثين. وهي مناسبة لمساءلة واقع النشر في المغرب، كما فعلت مؤسسة عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية التي استبقت المعرض بإصدار تقريرها السنوي عن قطاع النشر في مجالات الأدب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في المغرب لسنتي 2017/2018. فإضافة إلى المعطيات المهمة التي ضمنت فيه والتي تتحدث حالة النشر وكميتها وتناميها، فإن التقرير قد أثار مجموعة من الملاحظات التي تبدو لنا مفصلية في قراءة واقع النشر والكتاب بالمغرب. ومن أهمها أن العربية هي لغة النشر في المغرب. فبالرغم من الحروب التي تقام هنا وهناك على لغة الضاد، وبالرغم من الصراعات التي تفتعل من أجل تحجيم دورها في ميادين البحث والكتابة والإبداع، فقد أثبت التقرير حقيقة لا مناص من الاعتراف بها في خضم السجال الهوياتي الحالي: هي أن العربية تظل وسيلة النشر الرئيسة في المغرب والمتربعة على عرش الإصدارات. حيث أشار إلى أن العربية تشكل القسم الأكبر من المنشورات بنسبة 78 في المئة، بحوالي 3263 وثيقة ورقية والكترونية، في مقابل 41 عنوانا بالأمازيغية، وحفاظ اللغات الأجنبية الأخرى على نسبها المتواضعة. أما اللغة الفرنسية فبالرغم من كل الاهتمام الذي يعطى لها من طرف الدولة فلم يتجاوز عدد المنشورات 485 عنوانا بنسبة لا تتجاوز 16.25 % من الحصيلة. ولا يختلف نشر الكتب عن نشر الصحف والجرائد، ففي كل تقرير صادر عن “مكتب التحقق من الانتشار” المعروف اختصارا بـ”OJD”، نلاحظ دوما حضور العربية لغة أساسية ورئيسة للتواصل الإعلامي. حيث تتصدر جرائد مثل المساء والأخبار وأخبار اليوم والصباح المشهد الإعلامي، وأول جريدة عربية تبيع أزيد من 37320 في مقابل 14174 لأول صحيفة باللغة الفرنسية بالرغم من سيطرتها على سوق الإشهار والدعم الحكومي والخاص. وهذه الحقيقة الجلية تؤكد أن المغاربة مازالوا مقتنعين بأن اللغة العربية هي لغة الخطاب الرسمي العلمي والآلية الأساسية لتوصيل المعلومة.
لكن التقرير الذي أصدرته مؤسسة آل سعود يؤكد أن معديه لا يصفون واقعا طبيعيا أو يريدون تقديم تقرير واقعي عن وضعية النشر بالمغرب بقدر ما يريدون توجيه رسائل ملغومة تحذر من سيطرة العربية على النشر الورقية والالكتروني. فحين الحديث عن النشر بالعربية يستعمل مصطلح التعريب: “عندما نسلط على النواة الصلبة للعينة موضوع التقرير… نلاحظ أن سيرورة تعريب قطاع الثقافة والنشر بالمغرب التي سبق رصدها في التقريرين السابقين تترسخ بشكل واضح”. لكن حين حديثه عن المنشورات باللغات الأخرى فلا يستعمل صيغ المصدر من الفعل المشدد العين. فحين الحديث عن النشر بالفرنسية يستعمل عبارة “المنشورات المغربية بالفرنسية” مردفا بالحديث عن التراجع، مقارنة ليس بالسنوات الماضية وإنما بالعقود التالية للاستقلال 1960ــ1980 مع ما يحمله ذلك من رسالة لأولى الأمر التربوي والثقافي، بغية استعادة وهج لغة المستعمر السابق إلى مكانتها بعد أن ضعفت لصالح اللغة العربية. إشارة أخرى لا بد من الانتباه إليها في متن التقرير هي أن الحديث عن الأمازيغية بوصفها اللغة الرسمية الثانية فيه إحالة على وضعها ليس قياسا بجدة الكتابات وحداثتها خاصة مع بروز المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ولكن لسيطرة التعريب على القطاع. وهو ما يعطي التقرير حمولة إيديولوجية ليست غريبة عن المؤسسة وبرامجها العلمية والإشعاعية.
فإذا كان التعريب في معناه العلمي البسيط هو ” إدخال ألفاظ أعجمية إلى اللغة العربية على نحو يتلاءم مع خصائص اللغة العربية”، فإن استعمال التقرير له يحيلنا على أن الأمر سياسة مقصودة من أجل إضعاف اللغة الرسمية الثانية واللغات الأجنبية وعلى رأسها الفرنسية. لكن الواقع الذي يحاول معدو التقرير، الذي يفتقد إلى مسح شامل للمنشورات الكبيرة والكثيرة في المغرب والذي اعتمد منهجية انتقائية مؤسساتيا على الأقل، القفز عليه، والذي تثبته تقارير النشر الصحفي كذلك، أن المغاربة مازالوا يؤمنون بأن العربية ليست مجرد لغة رسمية باسم القانون، ولكنها مشكل رئيس لهويتهم، وعنصر ثابت في تواصلهم مع المكتوب والمقروء، كما أن القراءة والإبداع لا يمكن أن يكون معبرا عن مكنوناتهم بغيرها. وقد سبق لعبد الكريم غلاب التعبير عن هذا الموقف”وانطلاقا من رأيي من أن الشكل قد يخفي المضمون، فإن الكتابة بالفرنسية قد تحد من مضمون العرب الذين يكتبون بها ولا يكون لهم التأثير الكافي في إثارة المجتمع” . لذا كان ومازال وسيظل النشر باللغة العربية بوابة المعرفة والإبداع والكينونة المغربية.