أخبار عاجلة

هذا هو سر رسو السفينة الخضراء الصديقة للبيئة في ميناء الدار البيضاء

لما علمت أن سفينة كونطاينرشيب نور ترسو بميناء الدار البيضاء، تشوقت لزيارتها، فهي أولا سفينة جديدة خرجت قريبا من حوض بناء السفن في الصين، أجرت التجارب اللازمة ثم انطلقت في أول رحلاتها قادمة من الصين إلى أوربا. والأمر الثاني وهو الأكثر أهمية، أنها سفينة من الجيل الجديد “النظيف، الأخضر،  الصديق للبيئة” ومحركها يشتغل بالإضافة إلى الوقود التقليدي بالغاز الطبيعي المسال. قلت في نفسي لا بد أن بها عجائب لا تخطر على بال…

وصلت باكرا إلى الرصيف، لكن كان علي أن أنتظر قدوم الوكيل لتيسير الإجراءات الروتينية وارتداء السترة الصفراء والخوذة الواقية. وكانت أول مفاجأة: من الخارج تبدو سفينة مثل الأخريات، ما عدا وجود علامة خضراء على الجانبين وفي الخلف، تبدو كوشم وتشير إلى الطابع البيئي للسفينة.

قلت لنفسي ربما التميز والغرائب سنجدها في الداخل. تسلقنا السلم الرفيع لنصعد إلى السطح، كان عبارة عن هيكل من الألمنيوم ألصقت به قطع أفقية لتثبت خطواتك أثناء “التسلق”. تم تسجيل أسمائنا وفق مقتضيات قانون الأمن الداخلي من طرف شاب تبين فيما بعد أنه الضابط المهندس المتدرب الذي كلف نفسه بمراقبتنا خلال جولتنا حول السطح. ولا تفهم أنها جولة ترفيه ! بل مشي حذر في الممرين الجانبيين الضيقين بين الهيكل الخارجي والعنابر المخصصة للشحن حيث تمر مختلف الأنابيب. لم نلاحظ أمرا غريبا، فقط أنابيب أشاهدها لأول مرة يبدو أنها للتزود بالغاز المسال.

وسألنا الشاب حول مساره التكويني المهني ودردشنا معه قليلا حول بعض خصوصيات السفينة. كان متحمسا ومسرورا، فهو محظوظ لتواجده في هذه الرحلة التاريخية!

بعد ذلك جاء وقت زيارة السفينة من الداخل. صعدنا ما شاء الله لنا أن نصعد لنصل إلى مقصورة القيادة في الأعلى في السطح رقم 8.

في المقصورة حدثنا القبطان عن رحلته الأولى. بعد خروج السفينة من حوض بناء السفن تم إجراء كل الاختبارات والمناورات اللازمة للتأكد من حسن اشتغال كافة الأجهزة ومطابقة السفينة وأدائها للتصميمات المصادق عليها في عقود البناء. ثم تقرر بدء الرحلة الأولى التي ستصل في نهايتها السفينة إلى شمال أوربا حيث سيتم تشغيلها بين بحر الشمال وبحر البلطيق، المناطق التي لا يسمح فيها بالملاحة لكل السفن التي لا تستجيب للمعايير البيئية الجديدة من حيث كمية انبعاثات الغازات السامة.

فما هو سبب وصولها إلى المغرب ورسوها في ميناء الدار البيضاء ثم أكادير في اليوم الموالي؟

مجموعة شركات Cma Cgm التي من ضمنها شركة كونطاينرشيب الشركة المالكة للسفينة  ارتأت أن تستفيد من هذه الرحلة الأولى وتشحن حمولة موجهة إلى المغرب قادمة من الصين وتغطي بذلك تكاليفها عوض أن تبحر لكل هذه المسافة على فراغ.

حدثنا القبطان عن خمسة سفن أخرى ستتسلمها شركته تباعا من شركة البناء الصينية في إطار نفس العقد. وكنا نحن الزوار نسأله عن ميزات هذه السفينة وعجائبها ولما سألته عن مقصورة القيادة وأجهزتها قال مخيبا حب استطلاعي مرة أخرى: إنها مثل أية مقصورة أخرى!

فقلت لا بد أن يكون العجب في صالة المحركات. ونزلنا لنستكشف ذلك صحبة الضابط المهندس الثالث.

ودخلنا منطقة المحركات، ولخيبة الأمل مرة ثالثة، تبدو الصالة من فوق مثل الأخريات! وصلنا إلى غرفة التحكم حيث رحب بنا كبير المهندسين. لا شيء يثير الانتباه هنا أيضا اللهم شاشتين مرتبطتين بالكمبيوتر تظهران تصاميم لمسار الوقود. لم يكن سهلا أن نستمع إلى شروحات كبير المهندسين حول خصوصيات محركات الجيل الجديد. ولما سألناه عن مقارنتها مع المحركات التقليدية من حيث تكلفة الاستغلال قال إنه لا يعلم التكلفة المادية مستدركا أن المهم في المحرك الجديد أنه صديق للبيئة. لكن الأهم بالنسبة له ولطاقمه، من زاوية أخرى، هو “صداع الرأس التقني” الذي تسبب فيه الوقود الجديد!

خرجنا من الصالة لنعاين المحرك منصتين ما استطعنا إلى الشروحات، وكان هو أيضا مثل باقي المحركات بأسطواناته السبعة. لكن ما أثار انتباهنا هو أجسام غريبة صفراء مثبتة في أماكن مختلفة، لعلها التميز الوحيد الذي تنفرد به هذه السفينة.  وشرح كبير المهندسين وظيفة تلك البمبونات الصفراء في الحفاظ على الضغط المناسب للوقود الجديد وانتقاله من حالة السائل إلى حالة الغاز، وهو شرح تقني  يستعصي فهمه على كل حال.

ثم غادرنا صاعدين إلى السطح الرئيسي حيث وجدنا رجلا فيلبيني الملامح يدلنا على باب الخروج، يظهر من هندامه أنه طباخ السفينة، ومازحه صاحبي ببعض الكلمات، فابتسم.

ونزلنا إلى الرصيف عبر نفس السلم الهش نلوم الصينيين على عنايتهم بمرافق المحركات والبضاعة وتقصيرهم في مرافق الطاقم الذي يشغل تلك المحركات ويعتني بتلك الحمولة .

وعلى الرصيف أخذت صورا جديدة للخارج وللوشم الأخضر، العلامة المميزة الوحيدة الذي بقيت في ذهني.

 

شاهد أيضاً

المغرب يستعد لاستضافة النسخة الثانية من “المؤتمر الدولي حول الهيدروجين الأخضر” في الرباط

تستعد جامعة محمد الخامس بالرباط والجامعة الدولية للرباط لتنظيم النسخة الثانية من “المؤتمر الدولي حول …