تحت شعار « محاربة الفساد ونهب المال العام، معركة وحدوية، من أجل تنمية مستدامة وديمقراطية حقيقية”، عقدت الجمعية المغربية لحماية المال العام مؤتمرها الوطني الأول، يومي 30 و31 مارس 2019 بالرباط.
وأفادت الجمعية، في بلاغ لها توصل موقع “المستقبل” بنسخة منه، أن المؤتمر انعقد في سياق إقليمي ودولي مليء بالتحديات والمخاطر التي تتجلى في أطماع القوى العظمى ومن يدور في فلكها، لتحقيق مشروعها الرامي إلى السيطرة الكاملة على ثروات الشعوب في كل من الشرق الأوسط و شمال إفريقيا و جنوب الصحراء و أمريكا اللاتينية ، و في سياق تنامي معدلات الفساد، مما أصبح لزاما على المجتمع المغربي و القوى الديمقراطية والمنظمات الحقوقية و النقابية اتخاذ مواقف وحدوية حازمة لمواجهة المخاطر التي تحدق ببلادنا جراء سياسة التطبيع مع الفساد و نهب المال العام و الإفلات من العقاب.
و أضاف البلاغ أن اختيار الجمعية لهذا الشعار ، أي “محاربة الفساد و نهب المال العام، معركة وحدوية، من اجل تنمية مستدامة و ديمقراطية حقيقية”، يؤكد مدى وعيها بطبيعة المرحلة وملابساتها و ما تحتاجه من جبهة ديمقراطية وطنية قوية واسعة لتحقيق هذا الهدف، كما يعكس رفضها لكل اشكال التطبيع مع الفساد و نهب المال العام و الثروات الطبيعية .
وأكد المصدر ذاته أن المؤتمر، وبعد تدارسه للوضع العام الوطني في كافة أبعاده، وفي مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبعد وقوفه عند غياب إرادة حقيقية لدى الدولة للتصدي لمظاهر الفساد و نهب المال العام و الإفلات من العقاب، يعتبر أن استمرار الدولة في التطبيع مع الفساد و نهب المال العام و الإفلات من العقاب يشكل خطورة على مستقبل المجتمع في التنمية والحرية والكرامة. وأوضح أن المغرب لم يتجاوز المركز 123 في تقرير التنمية البشرية الذي تصدره منظمة الأمم المتحدة، و أنه يأتي في آخر الترتيب الدولي من بين 222 دولة بالنسبة للدخل الفردي في حين تتقدم عليه دول إفريقية و عربية في هذا المجال، كما أن القدرة الشرائية انخفضت بالنسبة للدخل الفردي بسبب سيادة الفساد وسوء توزيع الثروة و هو ما أدى الى تفاوتات اجتماعية ومجالية.
كما يعتبر المؤتمر بأن كلفة الفساد والرشوة في المغرب تتعدى 5 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، و هو رقم يشكل تهديداً للتنمية ويضع الاقتصاد في نفق مسدود غير قادر على رفع تحديات المنافسة على المستوى الدولي، وأن الفساد أصبح من أبرز المعيقات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لأنه يساهم في ضياع هذا الطموح ويحرم المجتمع المغربي من التمتع بالحريات والعدالة الاجتماعية وضمان مستقبل الأجيال القادمة، ويحرمه، أيضا، من المساهمة في صياغة السياسات العامة للبلاد ومختلف الخطط التنموية والمشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بمستقبلها، ويضعف الثقة بالنظامين القانوني والقضائي، كما يعيق القدرة على الاحتفاظ بموظفين ذوي كفاءة عالية، ويتسبب في هدر المال العمومي والثروات الطبيعية و تعطيل الموارد البشرية.
وفي ذات السياق، يعتبر المؤتمر بأن استمرار الدولة في التطبيع مع مظاهر الفساد و نهب المال العام و الإفلات من العقاب و الرشوة و اقتصاد الريع والامتيازات سيؤدي حتما إلى المزيد من الأزمات الاقتصادية و الاجتماعية، و يشجع لوبيات الفساد و نهب المال العام و الثروات الطبيعية و السطو على أراضي الدولة والممتلكات العمومية على التمادي في ارتكاب جرائم مالية، مما يتسبب بشكل كبير في انتشار الفقر و البطالة و الجريمة و لجوء الشباب إلى الهجرة السرية أو الوقوع في شبكات الإرهاب والاتجار في المخدرات، كما يسجل غياب إرادة سياسة حقيقية للتصدي لانتشار مظاهر الفساد ونهب المال العام والرشوة واقتصاد الريع والإفلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة، وبناء اسس دولة الحق والقانون رغم توقيع المغرب على الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد.
ويؤكد المؤتمر أن ارتفاع معدل الفقر وانتشار الجريمة بمختلف اشكالها والبطالة وتنامي استنزاف الموارد الطبيعية، وتدمير البيئة، وضعف النمو الاقتصادي وتحويل إنفاق الدولة من الأنشطة الأكثر إنتاجية إلى الأقل إنتاجية مما من شأنه ان يساهم في حدوث اضطرابات نقدية ومالية وتراجع نسبة الاستثمار الوطني والأجنبي، كما أنه يطالب السلطة القضائية بأن تتحمل مسؤوليتها في التصدي للفساد و الرشوة و الريع و نهب المال العام و القطع مع الإفلات من العقاب و ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأيضا بتسريع وتيرة الأبحاث و المحاكمات في ملفات الجرائم المالية المعروضة على المحاكم و اتخاذ تدابير و قرارات شجاعة للتصدي بكل حزم لمظاهر الفساد و الرشوة و محاكمة المفسدين و ناهبي المال العام واسترجاع الأموال المنهوبة على قاعدة المساواة أمام القانون وتحقيق العدالة. مع توفير مناخ سليم للأعمال وتحفيز المقاولات لخلق الثروة عن طريق الاستثمار ومراجعة القانون الضريبي والقانون المنظم للصفقات العمومية بشكل يحقق العدالة والمساواة والشفافية والمنافسة الحرة.
هذا، ويعتبر المؤتمر بأن التصدي لمظاهر الفساد و نهب المال العام ومعالجة آثارها على التنمية جزء من عملية واسعة لإرساء قواعد الحكامة وترسيخ الديمقراطية ودولة المؤسسات بما يقتضيه ذلك من تعزيز لقيم الشفافية والنزاهة والمساءلة في التدبير العمومي وسير المرافق العمومية، وهو ما يتطلب ملاءمة التشريع المغربي مع المواثيق الدولية ذات الصلة وخاصة اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب، وسن استراتيجية وطنية متعددة الابعاد للتصدي للفساد والرشوة وتوسيع صلاحيات ومهام مؤسسات الحكامة ومدها بالإمكانيات اللازمة لممارسة مهامها مع احالة تقاريرها على القضاء. كما يدعو إلى تظافر جهود كل القوى الديمقراطية والنقابية والجمعيات الحقوقية وجمعيات المجتمع المدني من أجل جبهة ديمقراطية وطنية واسعة لمحاربة الفساد و نهب المال العام وإرساء أسس ربط المسؤولية بالمحاسبة والشفافية والنزاهة و تحقيق العدالة الاجتماعية ومواجهة التوجه المناهض لأي تحول نحو الديمقراطية والمستفيد من واقع الفساد والنهب.