أخبار عاجلة

مخيمات تيندوف: ديمقراطية محتجز أم ديكتاتورية قيادة

ذ. الحسين بكار السباعي (*)

تشهد مخيمات تندوف احتجاجات عارمة، بالتوازي مع ما تعرفه الجزائر من مطالب شعبية تطالب بكنس الفساد في هرم السلطة. وقد وصلت شرارة الاحتجاجات إلى تمثيلية مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بمنطقة الرابوني بمخيمات تندوف. كما امتدت الإحتجاجات لتصل أمام مقر ما يسمى بالكتابة الوطنية للبوليساريو.
لفهم ما يقع في تيندوف لابد من تأصيل علمي لمفهوم الإحتجاج كمرحلة أولى، وهو ما سنسعى الوقوف عليه، حيث يشير هانك جونستون في كتابه المعنون “الدول والحركات الاجتماعية” الصادرة ترجمته عن المركز القومي للترجمة في القاهرة (2017)، “إن الناس يلجأون إلى الاحتجاجات والتظاهرات وحملات جمع التوقيعات، والمسيرات والتنظيمات التي تعبّر عن مطالبهم فى التغير الاجتماعي، وتعد كل تلك الأساليب مهمة لتأكيد المصالح والدفاع عنها فى السياسة المعاصرة، بمعنى أن الحركات الاجتماعية هي سياسة يقوم بها الناس وليست سياسة النخب فقط”.


نقف هنا أن مخيمات تيندوف تعيش في حالة انفصال كبير عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي يشهده العالم، فالقيادة في تيندوف تعمل على ضبط نظامها القائم على استغلال المحتجزين و التآمر مع عسكر الجزائر في ما بينهم، مع تثبيت نفسها في العجلة السياسية للمخيمات على حساب احتجاز ساكنة تيندوف والحصار العسكري الذي ضرب على المخيمات.
يظل السلوك السياسي لقيادة تيندوف مرتبطا بالحسابات في ما بينها دون أن تخرج قوة سياسية قادرة بالفعل على ضبط كل الإيقاعات والتحركات ارتباطا بخدمة الإنسان في مخيمات تيندوف. والدليل حسب متابعين أنه لم تتمكن التنظيمات السياسية التي تنتمي إلى القواعد الفكرية ذاتها من تكوين جبهات أو تحالفات تكون قادرة على التعبير بلسان محتجزي تيندوف.
هنا لا نتصور أشكال قواعد المنافسة السياسية كونها ثابتة، لكنها تضع العمل التكتيكي للقادة في مركز التفسير، ويبدو لنا مهما هنا أن ندرك أن الجماعات الاحتجاجية تعبئ قائمة أعمال جماعية، و ترتكز على التأويلات، في السياق ذاته، فالمسيرات التي همت مخيم العيون والرابوني، للمطالبة بالحق في التنقل الحر للمحتجزين، واجهتها القيادة الإنفصالية وعسكر الجزائر بالأسلحة الثقيلة، وهي التطورات، التي عرفتها على بعد ايام قليلة من إصدار مجلس الأمن لقراره الجديد بخصوص قضية الصحراء المغربية.
ثمت مقولة تتكرر غالبا فى الشفاهة والتدوين عند الحديث عن الشأن في تيندوف أنه لم يعرف على مدى تاريخه حياة سياسية في إطار دولة ذات مؤسسات رسمية، بل خضع لنظام وراثي متجدد حتى الأن . وكان تنظيم السياسة في المخيمات قائما على إجماع اشخاص اعتبروا انفسهم وصاة على محتجزين لا يحق لهم التعبير بآراءهم ورغباتهم، بل حتى المساعدات التي توجه لهم من قبل جمعيات اوربية يتم بيعها في الرابوني، وأغونيت وموريتانيا.
كما يعرف، فطبيعة الأنظمة العسكرية ما تبنيه من أمجاد وعز تخسره كذلك فى سبيل البحث عن مجد الذات، وهو ما يحدث مع النظام العسكرى فى تيندوف بقيادة ابراهيم غالي، ويتم حشر كل المحتجزين فى كفة الزمرة الحاكمة والمقربة من ما يسمى رئيس جبهة البوليساريو، وصارت الوطنية المعنى الأخر للديكتاتورية ليتزلف الكل نحو النظام الديكتاتوري ومدح قائده مما يؤهله للولوج الى الفشل وفى أوسع ابوبه، فصودرت الحريات الأساسية من حق الأفراد فى الإنتماء إلى وجرمت باقي التنظيمات ومنعت الأحزاب وإيجاد إعلام حر وغيرها من القرارات التى جعلت كل محتجز في تيندوف يشعر وكأنه مغترب داخل قبيلته.
يقول الأستاذ عدنان الصالحي في دراسة له بعنوان ”الفساد وتهديد منظومة القيم الانسانية، “الخطر في الفساد السياسي كبير كونه يؤسس لحالة تمتد الى مشروع متبني من قبل جهات حزبية وكتل لها تأثيرها في توجيه الرأي العام من خلال مشروعها المطروح ويكون هدفه الأساس هو الوصول إلي مصلحة ذات الحزب أو التكتل في السلطة أو الحكم بعيداً عن المصلحة الوطنية”.
تتمثل مظاهر ديكتاتورية قيادة البوليساريو في الحكم الشمولي وفقدان الديموقراطية وعدم المشاركة في صنع القرار وفساد القادة انفسهم ومن هم على شاكلتهم وتفشي الفئوية والقبلية والعرقية وتولية الأقارب للمناصب كبديل عن اختيار الأكفأ والأكثر نزاهة وتفشي المحسوبية والمحاباة والوساطة.
وحتى لا نطيل على قراءنا الأعزاء، وتأسيسا على ما سبق فإننا نقف على أن الطبقة السياسية الحاكمة التي تكون من عائلة واحدة تمتد أفقيا وعادة ما تعتمد على صلة القرابة والمصاهرة، حيث أن الحكام من أسر بعينها وهم الذين بيدهم الشأن السياسي والاقتصادي وقد أسفر ذلك عن اعتماد العلاقات الاجتماعية على القرابة للأسرة والنخبة الحاكمة التي تفرض نفسها في اختيار كبار موظفي البوليساريو ومساعديهم، كما أن الاقتصاد الريعي يقدم عادة الضمانات ضد المساءلة والمحاسبة ويقف إلى جانب الفساد وينشر ثقافة التواكل والخنوع.
ولا يمكن أن نقول في ديكتاورية قيادة تيندوف التي تقابلها صرخات محتجزين لا قوة لديهم إلا حناجرهم أن مقاومة الظلم لا يحددها الإنتماء لدين أو عرق أو مذهب، بل يحددها طبيعة النفس البشرية التي تأبى الإستعباد وتسعى للحرية.

(*) باحث في الهجرة الإعلام وحقوق الإنسان

شاهد أيضاً

“تيك توك” تنظم أول قمة حول الصحة النفسية في المغرب لتعزيز الرفاه الرقمي للشباب

نظمت منصة “تيك توك” أول قمة لها حول الصحة النفسية في المغرب، حيث اجتمع خبراء، …