بالتعاون مع شركائها الألمان، أعلنت المدرسة العليا لعلوم الصحة، أول أمس الثلاثاء 2 يوليوز الجاري بالدار البيضاء، عن إطلاق البرنامج الألماني في علوم الصحة، الرامي إلى تكوين الشباب المغربي في المهن الصحية باللغة الألمانية ووفقا للمعايير الأوروبية للتعليم العالي بغية إدماجهم في سوق الشغل الألماني.
ويمثل البرنامج الألماني مبادرة للتعاون الدولي القائم على الربح المشترك بين الجانبين الألماني والمغربي، حيث يهدف من ناحية لعلاج الخصاص الحاد في الأطر الصحية بجمهورية ألمانيا الاتحادية والمساهمة في مكافحة البطالة بين الشباب في المملكة المغربية.
ويشهد القطاع الصحي الألماني، والذي يضم حوالي 10% من إجمالي القوى العاملة التي تزيد على 44 مليون أحد أعلى معدلات النمو في البلاد، والذي يزيد عن ثلاثة أضعاف مثيلاته في القطاعات الاقتصادية الأخرى. ويرجع ذلك النمو للزيادة المضطردة في الطلب على الخدمات الصحية بسبب الشيخوخة السكانية وانخفاض معدلات الوفاة والتقدم الهائل في التكنولوجيا الطبية والإمكانات العلاجية.
ويقدر مكتب العمل الفيدرالي بجمهورية ألمانيا الاتحادية الخصاص الآني والملح في الأطر الصحية ما بين 120 الى 200 ألف منصب شغل. وتتأثر ثلاث مهن صحية بهذا الخصاص وهي الأطباء والممرضات ومساعدات رعاية المسنين، حيث يبلغ متوسط الفترة الزمنية التي يستغرقها التوظيف 155 يومًا للأطباء و105 يومًا للممرضات و110 يومًا لمساعدي رعاية المسنين، مقارنة بمتوسط قدره 67 يوما للمهن الأخرى.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها مؤسسات التكوين الألمانية، تظل قدرتها على سد هذا الخصاص المتنامي محدودة جدا لأسباب متعددة، لذلك توجهت المؤسسات الصحية الألمانية للخارج لتوفير القوى العاملة التي تحتاجها. الا أن ذلك التوجه يلاقي صعوبات كبيرة ترتبط بقضايا اللغة ومحتوى التكوين والاعتراف بالشواهد، بالإضافة الى الإجراءات الإدارية المتعلقة بالحصول على تأشيرات الدخول والإقامة وتصريح الشغل وتصريح مزاولة المهن الصحية وكلها محمية ومنظمة بالقانون.
وفي ذات السياق، تسجل البطالة في المغرب (مثل بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط) معدلات مرتفعة للغاية بين الشباب، حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 29.3 في المائة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة عاطلون عن العمل. وتسجل أعلى معدلات بطالة الشباب بين النساء والخريجين، بل وصل معدل البطالة بين خريجي الجامعات إلى 40٪ في عام 2017. وبغض النظر عن الأسباب الاقتصادية البنيوية لبطالة الشباب، فإن أحد أهم الأسباب وراء معدلات البطالة المرتفعة بين الشباب المتعلم هو ضعف المواءمة بين التكوين واحتياجات سوق الشغل. فعلى سبيل المثال، يتركز أكثر من ثلثي الطلاب الجامعيين في تخصصات الآداب والعلوم الإنسانية والاقتصادية، بينما لا تتعدى نسبة الطلاب المسجلين في العلوم الصحية حاجز 2 في المائة.
ويشتمل البرنامج الألماني على مكونين أساسيين ومنفصلين من التكوين، يتمثل الأول في التكوين الأساسي في العلوم الصحية، والذي سيكون التسجيل فيه مفتوحًا للحاصلين على شهادة البكالوريا وفقًا لمعايير القبول المعمول بها في البرامج الأكاديمية المختلفة بالمدرسة العليا لعلوم الصحة. حيث سيتلقى الطلاب المقبولون دورات اللغة الألمانية المكثفة من قبل معهد جوته خلال السنة الدراسية الأولى للبرنامج. ووفقًا لمعايير التعليم العالي الألمانية يستهدف التكوين اللغوي اجتياز الطالب لاختبار المستوى (B2) وسيقدم معهد جوته دورات اللغة في مقر المدرسة العليا لعلوم الصحة كجزء من التكوين. بدءا من السنة الثانية وبعد اجتياز الطالب للمستوى اللغوي المطلوب، سيتم تدريس البرنامج التعليمي بأكمله باللغة الألمانية من قبل أساتذة ومؤطرين ألمان تابعين للمدرسة أو من المؤسسات الشريكة في ألمانيا. أخيرًا، سيتم تنظيم سنة الدراسة النهائية بالكامل في ألمانيا، بما في ذلك التدريب العملي.
أما المكون الثاني، فيتمثل في التكوين المستمر للخريجين الحاصلين على دبلوم في العلوم الصحية، والذي سيكون التسجيل فيه مفتوحًا للمهنيين الصحيين الحاصلين على دبلوم في العلوم الصحية (الطب، والتمريض، والعلاج الطبيعي، وتصويب النطق، والحركية النفسية، وعلم التغذية، وما إلى ذلك)، حيث سيحصل الطلاب المقبولون على تدريب مكثف في اللغة الألمانية يقدمه معهد جوته حتى مستوى B2 بمقر المدرسة العليا لعلوم الصحة. بعد اجتياز الطالب امتحان المستوى اللغوي (A2) سيدرس بالتوازي اللغة الطبية الألمانية، وكذلك مجموعة من الدورات التدريبية في التخصص باللغة الألمانية من قبل أساتذة من المؤسسات الشريكة بألمانيا تهدف لرفع المستوى الأكاديمي والمهني. ويجتاز الطالب امتحانات المدرسة العليا لعلوم الصحة المؤهلة للحصول على دبلوم المدرسة في التخصص، وبعدها يجتاز امتحان الحصول على ترخيص مزاولة المهنة في جمهورية المانيا الاتحادية.
ويستهدف البرنامج الأماني أربعة فئات أساسية من المهن الصحية، تشمل الأطباء بغرض الإدماج المهني أو التخصص الطبي (التكوين المستمر)، والممرضين والممرضات بغرض الإدماج المهني (التكوين الأساسي والمستمر)، وكذا أخصائيي التأهيل والعلاج (الترويض الطبي، تصويب النطق، العلاج النفس حركي والحمية والتغذية) بغرض الإدماج المهني (التكوين الأساسي والمستمر)، ومساعدي التمريض بغرض الإدماج المهني (التكوين المستمر).
تعد الميزة النهائية للطلاب المنخرطين في البرنامج الألماني الذين يتابعون اجتياز المراحل المتتالية للبرنامج بنجاح هي ضمان منصب شغل بجمهورية ألمانيا الاتحادية، ويتولى مسؤولية هذه الميزة كل من المؤسسة الألمانية للتكوين والشغل والمنظمة العربية الأورومتوسطية للتعاون الاقتصادي. وتسهر كلتا المؤسستين على تحديد احتياجات المؤسسات الصحية الألمانية من الأطر الصحية والإدماج المهني لخريجي البرنامج في هذه المؤسسات.
ويستلزم تحقيق هذا الهدف النهائي انجاز عدة أهداف مرحلية منها، بناء القدرات اللغوية للطالب ويتولى مسؤوليتها معهد غوته، وتكوين الطلاب وفقا للمعايير البيداغوجية الألمانية ويتولى مسؤوليتها كل من المدرسة العليا لعلوم الصحة والجامعة الطبية شاريتي ببرلين، فضلا عن توفير أماكن التدريب العملي في جمهورية ألمانيا الاتحادية ويتولى هذه المسؤولية المؤسسة الألمانية للتكوين والشغل والمنظمة العربية الأورومتوسطية للتعاون الاقتصادي، وتأطير الطلاب أثناء التدريب العملي بألمانيا ويتولى هذه المسؤولية المدرسة العليا لعلوم الصحة بالتعاون مع الجامعة الطبية شاريتي ببرلين وبالتنسيق مع المستشفيات والمؤسسات المستضيفة للطلاب، وكذا تنظيم امتحانات الحصول على تصريح مزاولة المهنة ويتولى هذه المسؤولية كل من المدرسة العليا لعلوم الصحة والمؤسسة الألمانية للتكوين والشغل، وتنظيم إجراءات السفر وتأشيرات الدخول وإجراءات الإقامة وتصريح العمل ويتولى هذه المسؤولية كل من المنظمة العربية الأورومتوسطية للتعاون الاقتصادي ومركز الأعمال الألماني، وتسجيل وإدارة ملفات الطلاب ويتولى مسؤوليتها مركز الأعمال الألماني.للإشارة، فإن قائمة الشركاء المساهمين في البرنامج تضم المدرسة العليا لعلوم الصحة، والمؤسسة الألمانية للتكوين والشغل، ومعهد جوته بالمغرب، والمنظمة العربية الأورومتوسطية للتعاون الاقتصادي، والجامعة الطبية شاريتي ببرلين، ومركز الأعمال الألماني.
