أخبار عاجلة

محمد خليفة يكتب: كندا وأمريكا.. التفكك والفرقة

محمد خليفة (*)

من المتفق عليه أن للعصور عقولاً تهيمن على ما يصدر عنها من اتجاهات وميول وتيارات أيديولوجية وراديكالية، وأن الأفكار والصور المرتسمة على عقول القائمين على القطبية الدولية الأحادية يجهلون أو يتجاهلون قانون التاريخ القائل إن كل ما يقوم على القوة إنما يدوم ما دامت القوة، وإن القوة التي تدوس الحق بأقدامها لا بد من أن تسقط تحت وطأة حماقتها.
بعد عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، بدأ يمارس سياسته القديمة نفسها تجاه الأصدقاء، فبعد علاقة باردة مع أوروبا إبان فترته الأولى، بدأ فترته الثانية باستفزاز الجارين الملاصقين: كندا والمكسيك، فقام بفرض رسوم جمركية على الواردات من كندا بقيمة 25%، لكن تحت تهديد الدولتين بالرد بالمثل أرجأ القرار شهراً، وقد دخلت تلك الرسوم حيز التنفيذ الأسبوع الماضي. وأكد الرئيس ترامب أن كندا يجب أن تكون ولاية أمريكية. وجاء الرد سريعاً حيث هدد رئيس وزراء مقاطعة أونتاريو الكندية دوج فورد، بقطع الكهرباء عن الولايات المتحدة معلناً: «إذا قامت الولايات المتحدة بالتصعيد، فلن أتردد في قطع الكهرباء». وتقوم أونتاريو وحدها بتغذية أكثر من مليون منزل في الولايات المتحدة، كما أن كندا مصدر رئيسي للكهرباء إلى نيو إنجلند ونيويورك، وإلى ولايات حدودية أخرى مثل: ميشيغان ومينيسوتا.
وكان فورد قد أعلن فرض رسوم إضافية بنسبة 25% على صادرات الكهرباء إلى الولايات المتحدة، لكنه سرعان ما علق هذه الرسوم بعد أن رد ترامب بزيادة تعريفات إضافية بنسبة 25% على الألومنيوم والصلب الكندي، بحيث أصبحت تلك الرسوم 50%.
وتمثل كندا الجار القريب والحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، حيث تتعاون القوات العسكرية للدولتين في مجال الدفاع القاري ضمن إطار قيادة الدفاع الجوي الفضائي لأمريكا الشمالية «نوراد»، وهي القيادة العسكرية الثنائية القومية الوحيدة في العالم. وتعمل الدولتان على تحديث قيادة الدفاع الجوي الفضائي لأمريكا الشمالية لمواجهة التحديات المعاصرة. وترتبط الدولتان بعلاقات تجارية هي الأشمل في العالم، ويعد كل منهما شريكاً تجارياً للآخر، حيث بلغت قيمة السلع والخدمات العابرة للحدود يومياً نحو 3.5 مليار دولار.
كما تربط كندا والولايات المتحدة علاقة استثمارية مهمة، فالولايات المتحدة هي أكبر مستثمر منفرد في كندا، بينما تعد كندا أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في الولايات المتحدة. وهي أكبر مورد أجنبي للطاقة إلى الولايات المتحدة. وارتبطت الدولتان بمجموعة من اتفاقيات التجارة الحرة، مثل اتفاقية «نافتا»، التي دخلت حيز التنفيذ منذ ثلاثين عاماً، ومن ثم تم تجديدها خلال ولاية ترامب الأولى وأصبحت «نافتا 2»، وقبل انتهاء ولاية ترامب تلك، تم تجديد الاتفاقية تحت مسمى اتفاقية «كوزما». وتركز الاتفاقيات الثلاث على صادرات السيارات، والرسوم الجمركية على الفولاذ والألمنيوم، وغيرها من السلع، والإبقاء على سلاسل توريد مرنة وفعالة في جميع القطاعات الاقتصادية الرئيسية.
وتشترك الولايات المتحدة وكندا في إدارة المناخ، حيث تتطابق تدابير الدولتين في الحد من انبعاث الغازات والتوجه بشكل شبه كامل نحو الاقتصاد الأخضر للمحافظة على جودة الهواء والماء. ويعد أمن الطاقة جانباً مهمّاً في العلاقات بين الدولتين، حيث بلغ حجم تجارة الطاقة بين الدولتين، وفق بيانات كندية، 198 مليار دولار كندي العام الماضي. وسجلت كندا فائضاً سنوياً في تجارة الطاقة بلغ 143 مليار كندي في ذلك العام. وتشكل صادرات كندا من الطاقة نحو 27% من إجمالي صادرات السلع إلى الولايات المتحدة. وتلعب البنية التحتية العابرة للحدود دوراً حاسماً، إذ تضم أكثر من 100 خط أنابيب للنفط والغاز الطبيعي، وخطوط نقل الكهرباء النظيفة، مما ينقل كميات هائلة من الطاقة ذهاباً وإياباً، ويتم نقل نحو 94% من صادرات كندا من النفط الخام إلى الولايات المتحدة عبر خطوط أنابيب عابرة للحدود (نحو 4 ملايين برميل يومياً).
إن علاقات الدولتين المتشابكة لا يمكن فصلها بسهولة، وبالتالي فإنه من الصعب أن تستمر إدارة ترامب في تطبيق الإجراءات الجمركية الجديدة، وتجري الآن محادثات بين الدولتين للوصول إلى حلول منصفة لكل منهما. والدولتان، في حقيقة أمرهما، دولة واحدة، ورغم أن هناك حدوداً بينهما تبلغ قرابة تسعة آلاف كيلومتر، لكن هناك تداخلاً هائلاً للسكان من الجانبين، فمعظم السكان الكنديين يسكنون في مناطق قرب هذه الحدود، لأن مناطق كندا الشمالية متجمدة وثلجية لا يمكن العيش فيها، وبالتالي فإن الناس من الجانبين يدخلون ويخرجون في الاتجاهين، وتشير التقديرات إلى أن نحو 400 ألف شخص يعبرون الحدود الكندية الأمريكية يومياً، وهناك العديد من السكان الأصليين الكنديين الذين تمتد مجتمعاتهم وثقافاتهم عبر الحدود.
لكن رغم ذلك فقد أعلنت الحكومة الكندية أنها ستضاعف جهودها لتعزيز أمن الحدود، وقررت استثمار مليار و300 مليون دولار أمريكي لدعم زيادة عدد الموظفين، وتوفير تقنيات ومعدات جديدة، وتعزيز التنسيق، وبما يؤدي إلى دحض حجة ترامب بخصوص التهريب، وبالتالي رفع هذه الرسوم الجمركية وإبقاء العلاقات بين الدولتين من دون أي مشاكل.

(*) إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

شاهد أيضاً

توقيف مؤقت لحركة السير بسبب إزالة جسر الراجلين بطريق الدار البيضاء المداري انطلاقاً من 16 أبريل

أعلنت الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب أنها ستباشر أشغال تفكيك وإزالة جسر الراجلين المتواجد على …