في سياق التحولات التي تشهدها منظومة التربية والتكوين بالمغرب، ومع التفعيل المتدرج للتوجهات الاستراتيجية التي جاء بها القانون الإطار رقم 51.17، لاسيما المشروع الرابع المتعلق بالارتقاء بالأنشطة التربوية، تتعزز مكانة الأنشطة الثقافية والفنية كرافعة أساسية لتنمية شخصية المتعلم. وتبرز السينما المدرسية في هذا الإطار كأداة تربوية فاعلة تسهم في صقل الحس الجمالي والنقدي لدى التلاميذ، وتغرس فيهم قيم الإبداع، والانفتاح، والعمل الجماعي.
وتواصل الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط – سلا – القنيطرة، بشراكة مع الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، تنفيذ برنامج واسع النطاق يهدف إلى إدماج السينما في الحياة المدرسية، من خلال تأسيس أندية سينمائية تربوية داخل المؤسسات التعليمية. وقد تم خلال الموسم الدراسي الحالي إحداث ما يقارب 30 ناديًا سينمائيا بمختلف المديريات الإقليمية، في خطوة تعكس وعيًا متزايدًا بأهمية التربية السينمائية في تطوير مهارات التلاميذ الفنية والتواصلية.
وفي أفق تنظيم مهرجان السينما لأندية الطفولة والشباب، المرتقب نهاية أكتوبر 2025، أطلقت الأكاديمية دورة تكوينية لفائدة منسقي هذه الأندية، من أجل تمكينهم من أدوات وتقنيات العمل السينمائي. وقد احتضن المركز الجهوي للتفتح الفني والأدبي بالرباط، يوم السبت 17 ماي 2025، أولى محطات هذه الدورة عبر ورشة متخصصة في كتابة السيناريو، أطرها السيناريست حسين شاني، وشكلت فرصة لتعميق معارف المشاركين في مجال الكتابة السينمائية، وتحليل الصورة، وبناء الشخصيات.
وستتواصل أشغال الدورة يوم السبت 24 ماي، بتنظيم ورشتين متزامنتين: الأولى من السيناريو إلى الإخراج من تأطير المخرج محمد حافيظي، والثانية في المونتاج تؤطرها المونتيرة مريم الشادلي، على أن تُختتم فعاليات الدورة يوم 31 ماي بجلسة رقمية تخصص لتقاسم التجارب وتقديم التطبيقات العملية، باستخدام أدوات التواصل الرقمي.
وتندرج هذه الدينامية التكوينية ضمن مشروع وطني أشمل يحمل اسم “المدرسة في رحاب المركبات الثقافية – س”، الذي شرع في تنفيذه بعدد من الجهات، بغاية تمكين التلاميذ من متابعة عروض وأنشطة فنية داخل قاعات عرض ثقافية حديثة، تم إنجازها من طرف وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة، وذلك في إطار مخطط يروم إنشاء 150 قاعة سينمائية ثقافية على الصعيد الوطني.
وتبرز هذه المبادرات المتكاملة، من تأسيس الأندية وتنظيم الورشات التكوينية، إلى الانفتاح على البنيات الثقافية الحديثة، التوجه المتصاعد نحو جعل السينما المدرسية وسيلة تربوية قائمة الذات، قادرة على تحفيز التلميذ على التعبير والتفكير والإبداع، وربط صلته بالثقافة والفن. فالأندية السينمائية لم تعد مجرد أنشطة موازية، بل تحولت إلى فضاء حيوي لتربية الناشئة على الذوق الفني، والمشاركة الثقافية، والتفاعل النقدي مع الواقع، ضمن رؤية شمولية تضع المتعلم في قلب المشروع التربوي الجديد.