محمد خليفة (*)
يعيش العالم حقبة شديدة الخطورة، لم تكد البشرية تتغلب على كارثة انتشار فيروس كورونا، حتى استيقظ العالم على الحرب الروسية الأوكرانية وها هي منطقة الشرق الأوسط تشهد حرباً إسرائيلية على غزة من جهة، إضافة إلى حرب إسرائيلية – إيرانية شاركت فيها الولايات المتحدة.
إن النفس المتخمة بغرور القوة بعد أن تحررت من كوابح العقل وأسلمت قيادها لغريزة الموت بعد أن هدم القانون الأخلاقي بشموله واتساقه وكسر الأخلاق الفطرية تحدياً لمبدأ الخير الذي يفضي إلى إفساد حركة الكون من خلال طغيان القدرة العسكرية والتي تمثل المعيار الأول للقوة المستخدمة في السيطرة والقتل والتدمير، يقول توماس هوبز: «الإنسان ذئب لأخيه الإنسان» وهذا ما يؤكده المشهد اليومي لجرائمه التي لا تنقطع ويؤكده التاريخ بحروبه الدامية وعندما تصطدم الإرادات حول قضية معينة، تنشأ الحروب، فلا يوجد سلام دائم ومع زيادة التطور العلمي ظهرت أنواع جديدة من المتفجرات مصنوعة من الديناميت ذات قدرات عالية على الدمار، إلى تطوير بنادق القتال وظهور الطيران الحربي وسلاح المدرعات وغيره من الأسلحة الفتاكة المصممة مثل الأسلحة النووية.
وقد تجلى الجنون الإنساني في أبهى صوره في الحرب العالمية الثانية، فكان قصف المدن تتناوب عليه الأطراف المتحاربة، حتى تم قتل عشرات الآلاف من السكان في مدن بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وذلك من خلال القصف الجوي بالطائرات بهدف قتل الناس، كما تم تشريد مئات الآلاف من جراء اقتحام الجيوش للدول والمدن ومات من الجوع والبرد والمرض ما لا يحصى من البشر في عموم أوروبا.
ومع تمدد الحرب نحو اليابان، فقد كانت القاذفات الأمريكية تلقي بالحمم على بيوت اليابانيين المصنوعة من الخشب في المدن، ما كان يؤدي إلى حرق تلك البيوت بساكنيها وقُدِّر إجمالي عدد الوفيات الناجمة عن الصراع بما يتراوح بين سبعين وخمسة وثمانين مليون إنسان وكانت أوروبا والاتحاد السوفييتي السابق والصين واليابان، أكثر المناطق التي تضررت. ورغم أن الدول التي اكتوت من ذلك الصراع، قد لململت جراحها ومضت إلى مستقبلها، لكن آثار الكارثة لا تزال ماثلة في وجدان تلك الشعوب التي وقعت ضحية لها.
أما منطقة الهند الصينية فقد شهدت، في الستينيات والسبعييات من القرن الماضي، أبشع صور الحروب وإذلال البشر، ولا سيما في كمبوديا تحت حكم «الخمير الحمر»، فقتلوا ميلون إنسان كمبودي بأبشع وسائل القتل والإعدام. وعندما بدأت النعرات تظهر بين مكونات الشعب اليوغسلافي، بدأ القتل العشوائي للسكان وظهرت الميليشيات وكان البوشناق المسلمون هم الذين تلقوا أكبر الضربات، فقد تم إفناء قرى ومدن بأكملها واغتصاب عشرات الآلاف من النساء ويقدّر مركز القانون الإنساني عدد الضحايا في ذلك الصراع الذي استمر عشر سنوات، بما لا يقل عن 130 ألف ضحية، بالإضافة إلى لجوء مئات الآلاف من السكان إلى الدول المجاورة.
وكانت منطقة الخليج العربي ولا تزال ذات أهمية كبيرة، نظراً لأنها مصدر لنحو 30% من النفط المستهلك في العالم، غير أن الصراع الدولي على هذه المنطقة قد تكون له آثار مؤلمة على مختلف الشعوب الموجودة فيها، فقد فتحت إسرائيل وبموافقة ضمنية أمريكية الحرب على إيران، وكانت الحجة هي منعها من امتلاك سلاح نووي، لكن الهدف غير المعلن هو تدمير هذه الدولة أو احتواؤها، كما تم مع العراق من قبل، لكن سرعان ما أدركت الصين وروسيا، حليفتا إيران، الأهداف الحقيقية للولايات المتحدة فقررتا التصدي للأطماع الأمريكية، ففي الأسبوع الماضي أكد الرئيسين الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين: «أنه من غير الممكن تحقيق التسوية في منطقة الشرق الأوسط باستخدام القوة العسكرية».
وقد أدت الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران، إلى قتل وتهجير السكان الأبرياء الذين فروا من طهران ومن سواها من المدن المستهدفة، كما فروا من تل أبيب وحيفا وغيرها، مع ما رافق ذلك من شعور بالخوف من الموت والجوع والقلق على المستقبل الغامض وبعد مرور أثني عشر يوماً من الحرب المستمرة، فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: «أن إسرائيل وإيران قد توصلتا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار» ومع بدء سريان الهدنة، فقد توقف القصف المتبادل.
والواقع أن هذه الهدنة كانت مطلوبة من كلا الطرفين، فإسرائيل التي تعرضت مدنها لأسوأ قصف عبر تاريخها بسبب ضعف وانعدام فعالية قبتها الحديدية في صد الصواريخ فائقة السرعة، فإنها تريد إعادة ترميم وتجديد هذه القبة لجعلها أكثر فعالية في صد الهجمات المعادية، كما أن إيران، التي كانت سماؤها مكشوفة طوال أيام الحرب، فقد أدركت أنها بحاجة إلى نظام دفاع جوي يحمي أجواءها سواء أكانت طائرات أم صواريخ ومن غير المعروف ما إذا كانت هذه الهدنة ستتحول إلى سلام دائم، بل ربما قد تتجدد الحرب في المستقبل وتكون أشد وأكثر شراسة من هذه الحرب التي جرت وسوف يكون الضحية الأولى فيها هم الناس الأبرياء.
(*) إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.