محمد خليفة يكتب: المرأة العصامية – سي جي ووكر

بقلم محمد خليفة(*)

النجاح لا يوقفه شيء، ومن يصمم على النجاح والتفوق فإنه يحوز أعلى المراتب سواء في العلم أو في المال، فالحياة تعطي الفرص المستمرة، والكثير من الناس يهملون الفرص التي تأتيهم ويكتفون بما ألفوه من حياة من دون تغيير، غير أن هناك قلة قليلة في أي مجتمع يندفعون بذكائهم لانتهاب الفرص وغالباً ما تكلل جهودهم بالنجاح والتفوق، وهناك الكثير من المشاهير عبر العالم ولدوا في جحيم الفقر والحرمان، واستطاعوا أن يتغلبوا على كل الصعاب التي واجهتهم وأن يتركوا بصمتهم التي لا تمحى من الذاكرة الانسانية، ومن هؤلاء المرأة الأمريكية السوداء “مدام سي جي ووكر” التي أصبحت أول سوداء تحقق نجاحاً مادياً وتجمع ثروة طائلة، جعلتها من أثرى أثرياء الولايات المتحدة. وقد بدأت هذه المرأة من العدم لأنها ولدت في مجتمع تحكمه قوانين العبودية في أواخر القرن التاسع عشر، ورغم أن الرئيس ابراهام لينكولن قد أصدر قراراً بإلغاء العبودية وتم تقنين ذلك في الدستور الأمريكي عام 1865، لكن المجتمع لم يكن ليتقبل ذلك وحتى على مستوى المجتمع الأسود الضيق، حيث كان يتم النظر إلى الأشخاص الأفتح بشرة أو ما يسمى “الخلاسيين” الذين نشأوا من تزاوج نساء سوداوات من رجال بيض، على أنهم أفضل من بقية السود. وبالتالي فإن عقدة الدونية كانت تسيطر بشكل مطلق على المجتمع الأسود، وكان البيض لا يعترفون للسود بحقوق المواطنة ولا ينظرون إليهم على أنهم مواطنون أمريكيون مثلهم بموجب الدستور الأمريكي، ولذلك فقد كانت حياة السود صعبة للغاية، وكان اندماجهم في المجتمع يتطلب تغيير نظرتهم لأنفسهم، أولاً، وثانياً تغيير نظرة البيض لهم، وفي وسط ذلك المجتمع المقهور، ولدت فتاة تدعى سارة بريدلوف Sarah Breedlove، قرب قرية دلتا في ولاية لويزيانا Delta, Louisiana في 23 كانون الأول من العام 1867، لأبوين عبدين، وتزوجت وهي صغيرة، وأنجبت أطفالاً، لكنها ابتليت بالصلع ، فهجرها زوجها وذاقت مر الذل والحرمان، وعملت في غسل ملابس الناس، لكنها صممت على قهر الواقع، وجعلت هدفها هو إعادة إنبات شعرها، كي تحظى بزوج آخر، وتعرفت على سيدة تدعى “أدي مونرو” كانت تعمل بإنتاج مواد لتجميل الشعر وتقويته، فاستخدمت تلك المواد التي ساعدتها على إعادة إنبات شعرها، وتزوجت بشخص آخر يدعى “سي جي ووكر” وهو الذي حملت اسمه فيما بعد، وفي بيتها، فتحت سارة مشغلاً صغيراً لصناعة مستحضرات العناية بالشعر والخاصة بالنساء ذوات الأصول الأفريقية. وسوقت لمنتجاتها من خلال السفر حول الولايات المتحدة الأمريكية وإلقائها المحاضرات التي توضح فيها آلية عمل منتجتها، ثمّ قامت بعد ذلك بإنشاء مختبراتها الخاصة بعلامتها التجارية باسم: Madame C.J. Walker Laboratories لتصنيع المواد التجميلية المنزلية وتسويقها. وقد جعلتها فطنتها ودهائها في إدارة الأعمال واحدة من أوائل الأمريكيات ذوات الأصل الأفريقي اللواتي أصبحن مليونيرات من تلقاء أنفسهن. ولكونها امرأة سوداء شقّت طريقها وسط ركام هائل من التمييز العنصري، فقد استحقت التكريم من خلال عمل درامي تناول قصة حياتها من بطولة الفنانة أوكتافيا سبنسر، وحصل على عدة جوائز في أميركا، وبما يؤكد أن النجاح قصة تستحق النشر دائماً.

(*) كاتب من الإمارات
** البريد الإلكتروني : med_khalifaa@hotmail.com