محمد خليفة
السدود هي إحدى الوسائل التي اعتمد عليها الانسان منذ أقدم العصور بهدف الري والزراعة، حيث كان يتم تجميع مياه السيول والجداول والأنهار الموسمية خلف ردم كبير من الحجارة المتراصفة ، واستخدام المياه المجمعة في عمليات الري والشرب خلال شهور الصيف واحتباس المطر. ويعدّ سد مأرب أحد أشهر السدود في العالم والعربي والعالم أجمع، وقد كان انهدامه بسيل العرم سبباً رئيسياً لتفرق العرب في اتجاهات مختلفة ما تسبب في ظهور الأمة العربية في الامتدادات التي نعرفها اليوم. لكن السدود تطورت في العصور الحديثة، ولم يعد الهدف من بنائها هو الري والشرب فقط، بل أضحى توليد الكهرباء سبباً أساسياً لبنائها في الكثير من الدول ولاسيما الصين التي تولّد معظم طاقتها الكهربائية من خلال مياه السدود في أراضيها. لكن السدود ليست آمنة تماماً، بل لها مخاطر بيئية كبيرة، فهي تكبح الرواسب التي من شأنها أن تجدد النظم الإيكولوجية أسفل مجرى النهر. وقد تكون الخزانات مفيدة للبشر ولكنها ضارة في نفس الوقت وذلك لأن الخزانات يُمكن أن تصبح مرتعاً لناقلات الأمراض وخصوصاً في المناطق المدارية حيث إن البعوض، الذي هو من ناقل للملاريا، والقواقع ،التي هي ناقلات لمرض البلهارسيا، يمكن أن تستفيد من هذه المياه التي تتدفق ببطء. كما أن بناء السدود وخزانات المياه يتطلب إعادة توطين المجموعات البشرية الكبيرة المحتملة خاصةَ إذا تم بناؤها على مقربة من المناطق السكنية، وقد كان الرقم القياسي لأكبر عدد من السكان نُقلوا ينتمي إلى سد الصين العظيم في الصين. وهذا السد غمر مساحات كبيرة من الأرض مما أجبر أكثر من مليون شخص على الانتقال من ذلك المكان والسكن في مكان آخر. فالسد يؤثر على المجتمع من خلال ثلاث أشياء هي :الكارثة الاقتصادية،والصدمات النفسية البشرية،والكارثة الاجتماعية. كما أن السدود معرّضة للانهيار بسبب تقادم السنين عليها وعمليات الحت المائي المستمرة في جدرانها. ويحذر تقرير صدر عن جامعة الأمم المتحدة مطلع عام 2021، من أن الإرث المتزايد من السدود المتهالكة التي تجاوزت عمرها التصميمي يتسبب في زيادة هائلة في حالات انهيار السدودأو حصول تسرب أو إطلاق طارئل لمياه يهدد مئات الملايين من الأشخاص الذين يعيشون في اتجاه مجرى الأنهار الذي تقع عليه تلك السدود. ويؤكد التقرير أن مفتشي السلامة العامة حول العالم لا يستطيعون مواكبة عبء العمل للتحقق من سلامة جميع السدود. وحسب قاعدة بيانات “اللجنة الدولية للسدود الكبيرة” التي تضم 104 بلدان أعضاء، يوجد 58.713 سداً كبيراً يزيد ارتفاع كل منها عن 15 متراً، أو تتجاوز سعته التخزينية 3 ملايين متر مكعب. ومن بين هذه السدود هناك نحو 20 ألف سد أصبح دورها هامشياً أو خرجت من الخدمة . ويشير تحليل بيانات اللجنة إلى وجود 19 ألف سد كبير قيد العمل يزيد عمره على 50 سنة، وهو العمر المعتاد الذي يستلزم القيام بإصلاحات واسعة أو الإزالة. وبمقاربة معقولة، يمكن القول إن نصف السدود الكبيرة الموضوعة في الاستثمار عالمياً دخلت مرحلة الشيخوخة . وفي العالم العربي، يبلغ عدد السدود الكبيرة 287 سداً، انتهى بناء نصفها خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. ومع ذلك، يوجد 65 سداً تجاوز عمرها الخمسين سنة، أضخمها السد العالي في أسوان الذي افتتح عام 1970، ويبلغ ارتفاعه 111 متراً . والواقع إن متابعة السدود لمعرفة درجات تهالكها وإصلاحها هو أمر ضروري من أجل تجنب المخاطر المحتملة من جراء انهيارها في لحظة غفلة عنها.
كاتب من الإمارات