أخبار عاجلة

المخطط الأزرق

محمد قيصر

 

دعا صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2021 إلى الاهتمام بالواجهة الأطلسية و إلى خلق أسطول بحري وطني، قوي و تنافسي. كما حذر من ندرة الماء في عدة مناسبات. و من يمعن في إشكاليتي الماء و البحر، يدرك أن هذين العنصرين الحيويين هما حالتان طبيعيتان لنفس المعدن الذي يعتبر مصدرا للحياة على الأرض.

 

من الناحية العلمية، فالفرق بين الماء العذب و البحر يحصل على مستوى الكثافة. فكثافة الأول هي 1 و كثافة الثاني هي 1,025 بمعنى أن إمكانية الحصول على الماء تأتي بتبخير ماء البحر و ذلك  بتسخينه حتى يصبح بخارا ثم إعادة تكثيفه حتى يعود ماءا عذبا . وهاتان العمليتان المتقابلتان تشكلان مبدأ تقنية تحلية الماء.

وقد وصلنا الى ضرورة اللجوء لهذه التقنية بعدما لم نقم  بالشكل المطلوب بحسن ترشيد استعمال  الماء. و هي مشكلة المغرب و دول العالم الثالث في تدبير الأولويات الاستراتيجية في علاقتها مع مفهوم الزمن . حيث نتأخر في اتخاذ القرارات في حينها و عندما نصل الى القدر المحتوم الذي لا مفر منه نحاول استدراك الوقت بقرارات استعجالية . وهذه العقلية الترقيعية غير سليمة قطعا بل تعد مرضية متفشية في الدول النامية متسببة في تخلفها.

و لتوضيح الأمر، يمكن أن نعود لإشكالية الماء التي أصبحت أولوية أولويات المغرب. بل كانت كذلك لحنكة المغفور له الحسن الثاني الذي تنبأ وقتئذ بأهمية بناء السدود رغم انتقاد صندوق النقد الدولي لهذه السياسة. بعد ذلك ، تبين لهذه المؤسسة الدولية أن العاهل المغربي كان يسبق زمانه بسنوات عديدة و اعترفت بتبصر جلالته.

هذه الفئة من الناس لا يبالي بها أحد ولا تهتم بها عدسات الكاميرات ولا تحظى بفرصة لدى الرأي العام.  يعملون لتستمر الحياة في مختلف أرجاء العالم ، يضحون بأنفسهم ووقتهم بعيدين عن عائلاتهم وذويهم ليبقى سكان اليابسة منعمين  برغد العيش

على نفس المنوال المتبصر، دعا وارث سره الملك محمد السادس نصره الله الى الاهتمام بالقطاع البحري و الى خلق اسطول بحري مغربي. و هي التوجيهات التي يجب أن نأخذها بحزم و في وقتها الحالي قبل فوات الأوان. و رب ضارة نافعة ، فقد تبين منذ حلول أزمة كورونا أن البحر هو الملاذ الأخير لحل أزماتنا لتوقف جميع القطاعات و لزوم أصحابها البيوت إلا قطاع الملاحة التجارية .

واذا كان نصف سكان الكرة الأرضية قد عاش  في الحجر الصحي مما أفرز  انعكاسات سلبية على الاقتصاد العالمي،  بقي مليون و ستمائة بحار يجوبون العالم على متن سبعين ألف باخرة  ليمدوا سكانه  بما يحتاجونه من مواد أولية ، طبية ، منزلية ، غذائية …هذه الفئة من الناس لا يبالي بها أحد ولا تهتم بها عدسات الكاميرات ولا تحظى بفرصة لدى الرأي العام.  يعملون لتستمر الحياة في مختلف أرجاء العالم ، يضحون بأنفسهم ووقتهم بعيدين عن عائلاتهم وذويهم ليبقى سكان اليابسة منعمين  برغد العيش. و إذا كان الحجر الصحي قد شكل إستثناءا للناس فهو نمط حياة  بالنسبة لهم، حيث يعيشون في عزلة عن العالم بحكم طبيعة عملهم.

و قد  أضحت اليد العاملة البحرية عملة نادرة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية. حيث  عجز  الاتحاد الأوربي في تزويد سفنه بالأطقم الضرورية لتشغيلها بسبب عدم تمكن البحارة الأوكرانيين من الالتحاق بعملهم لأنهم يشكلون الأغلبية الساحقة من رجال البحر .. وفي هذه الظروف، فقد توجهت الشركات الأوربية الى الدول الآسيوية و أبرمت معها اتفاقيات تكوين ثم عمل من أجل جلب يدها العاملة . ولو فطن المغرب الى الأمر و كانت له سياسة بحرية لكان أقرب من غيره الى استقطاب هذه الشركات و تشغيل الآلاف من  الشباب المغاربة .

المغرب لا يعي سياسيا بما فيه الكفاية أهمية موقعه البحري الممتد على ساحلين أو كشبه جزيرة. و كم من دولة تمنت لو كانت في مكان المغرب لتستغل الساحل شبرا شبرا. و يكفي التذكير أن سويسرا التي لا تطل على بحر، تتوفر على أسطول بحري مكون من العديد من السفن تحت رايتها. ولنا أن نتصور لو كان لها موطئ قدم على البحر.

و ما لم يدركه حزب التجمع الوطني للأحرار اثناء تصدره لانتخابات 2021 و تشكيله للحكومة الحالية ، أن يخصص حقيبة وزارية للبحر بمختلف مكوناته  كالتجارة البحرية و الصيد بحري …  و كان بإمكانه أن يسجل في تاريخ الحكومات المغربية انفتاحه على البحر بشكل طبيعي يعكس اللون الذي يتزين به. كيف لا و قائد سفينته، الأمين العام للحزب و رئيس الحكومة الحالي، سبق أن أشرف على وزارة الفلاحة و الصيد البحري لولايتين متتابعتين في الحكومتين السابقتين. كما أن الوزير الحالي لنفس الحقيبة هو من نفس الحزب و ينظم باستمرار معرض آليوتيس للصيد البحري. أما نائب رئيس البرلمان و رئيس فريق الحزب بمجلس النواب ، فقد سبق أن طرح العديد من الأسئلة في البرلمان عن أهمية البحر في التنمية بما في ذلك ضرورة خلق أسطول بحري وطني.

و إذا كان يعاب على هذا الحزب الأزرق فشل سياسة المخطط الأخضر من خلال النتائج المحصل عليها و التي تجلت في الغلاء، الجفاف و كذلك البطالة في العالم القروي ، فطبيعة الحال لأنه اختار لونا غير لونه الأصلي. و بإمكانه استدراك هذا التوجه المنحرف بتعويض اللون الأخضر بآخر أزرق أي عبر الانتقال من المخطط الأخضر الى المخطط الأزرق. فلم تعد الفلاحة ذلك القطاع المربح الذي يعول عليه بل إنه انقلب السحر على الساحر باختيار المخطط الأخضر الذي ساهم في ندرة المياه. ومما يؤكد ذلك هو  نزوح الفلاحين من عالمهم البدوي الى المدن الساحلية بالخصوص في إشارة ضمنية الى المثل المغربي ” من الفلاحة الى الملاحة ” و الذي يعبر عن ارتباط المغاربة بالماء في الظاهر و بالبحر في العمق.

يمكن إذن ضرب عصفورين بحجر واحد بالتوجه نحو البحر كبديل استراتيجي لحل أزمتي الماء و البطالة . فالدول المتقدمة توجهت الى البحر كملاذ أخير في ظل الاكراهات الدولية التي تتفاقم يوما بعد يوم

على النقيض من ذلك، يتفاعل عدد هائل من الشباب المغربي بطريقة قطرية مع البحر و يرى في ركوبه حلا لتحقيق الأحلام و شروط العيش الآمن. لهذا نجد أفواجا هائلة من الوجوه اليافعة تمتطي قوارب الموت من أجل اللحاق بأوربا . وهذه النزعة البحرية بالسليقة لدى المغاربة والتي تدخل في إطار الهجرة غير الشرعية ، يمكن استثمارها بشكل نظامي لو توفرت لدينا سياسة بحرية حقيقية. إذ يمكن تكوين الآلاف من حاملي شهادة البكالوريا في معاهد الدراسات البحرية و تشغليهم على متن السفن الأجنبية في إطار شراكات مع الدول الأوربية.

عمليا ، لن يخسر المغرب شيئا سوى تخصيص ميزانية للتكوين البحري ثم إمكانية استرجاعها أضعافا مضاعفة من خلال الرواتب السمينة التي تؤدى بالعملة الصعبة لرجال البحر في الخارج. ويمكن اعتبار هؤلاء بمثابة جالية مغربية مقيمة على متن السفن مع وجود فرق شاسع مع الجالية الأولى المقيمة بالديار الأجنبية. ذلك أن هذه الأخيرة تنفق من مرتباتها الشهرية على المأكل و المشرب و المأوى الذي تقدمه الدول المستضيفة. فيما تعيش الجالية البحرية على نفقة الشركات البحرية بعقود دولية تضمن لهم حق العيش المجاني. ولنا أن نتصور الأجور الصافية التي يمكن أن يذخرها رجال البحر من دون نفقات العيش التي تكلف كثيرا و كذلك من الاعفاءات الضريبية و من عدم أداء المستحقات  الاجتماعية في هذه الدول.

و يشير تقرير للمندوبية السامية للتخطيط الى ان معدل البطالة انتقل من  %11,8 الى% 13   وطنيا للأسباب السالفة الذكر. ويتوقع أن ينزح مليوني فرد من العالم القروي الى العالم الحضري هروبا من ظاهرة الجفاف. وهذا يدل الى انه يجب اعادة النظر في توجهات الدولة بخصوص أولوياتها و اختيار قطاعات نوعية قادرة على امتصاص ظاهرة البطالة. ولعل الاقتصاد الازرق الذي يمزج بين مختلف القطاعات البحرية من الملاحة التجارية ، الى الصيد البحري، فالسياحة البحرية ثم الأنشطة البحرية الأحفورية، قادر على تقديم فرض عمل بديلة و متنوعة.

يمكن إذن ضرب عصفورين بحجر واحد بالتوجه نحو البحر كبديل استراتيجي لحل أزمتي الماء و البطالة . فالدول المتقدمة توجهت الى البحر كملاذ أخير في ظل الاكراهات الدولية التي تتفاقم يوما بعد يوم . دون أن ننسى أن ثلثي مساحة الكرة الأرضية عبارة عن محيطات و بحار كفيلة باحتضان غالبية ساكنة كوكبنا و هنا يكمن السر.

شاهد أيضاً

شراكة تاريخية: إدراج سيارة Xiaomi SU7 Ultra في لعبة Gran Turismo 7 على PlayStation

أعلنت شركة شاومي عن شراكة جديدة مع Polyphony Digital، المطور الشهير للعبة Gran Turismo، خلال …

ماريوت الدولية تعزز تموقعها في المغرب بهذا المنتجع الفاخر

الشعب يطالب بالفواتير

انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صورة لبقال بسيط يقف في دكانه خلف سياج يقيه من …

شاومي تتألق في تصنيف Brand Africa 2025 وتطرح تابلت Redmi Pad 2 بتقنيات متطورة في المغرب

أعلنت علامة شاومي عن احتلالها المرتبة 29 ضمن تصنيف Brand Africa لعام 2025 لأكثر العلامات …